الابتلاء يلاحق الذين استقر نور اليقين في قلوبهم. وهم يقابلونه بالصبر والعزيمة الصادقة ودون يأس. وقد كانت النساء شديدات اليأس في شكر الله معتبرات أن ذلك من قبيل ذكر الله لهن حيث يختبرهن "ولنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم" "31 محمد.. هذه النسوة أنزل الله قرآناً بشأنهن وتتحدث الآيات عن مواقفهن وتدفع أي اتهامات تصدر ضدهن. وها هي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قد تصدت بصبر واحتساب لما صدر ضدها من اتهام لأعز ما تملك وهو الشرف بالنسبة لها ولأسرتها. وكانت دموعها تنهمر علي وجهها وهي تتحدث مع أمها أم رومان وتسألها ماذا تفعل؟ فتقول لها هوني علي نفسك ياابنتي. إذ لا توجد امرأة تتمتع بهذه الصفات الطيبة التي تميزها علي أقرانها بالإضافة إلي زواجها من رجل يكن لها كل الحب والتقدير. تمسح دموعها وتتطلع إلي عفو الله وتسأله أن يفرج عنها هذا الكرب ويدفع أقاويل أهل النفاق. ووسط هذا الكم من الأحزان الذي أحاط بأم المؤمنين عائشة وأهلها كان عبدالله بن أبي بن سلول يطلق الأحاديث التي تلوك سيرة السيدة عائشة. وهنا صعد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - المنبر ثم قال: يامعشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي. فوالله ما علمت علي أهلي إلا خيراً. ولقد ذكروا رجلاً ما علمت علي أهلي إلا خيراً. وما كان يدخل علي أهلي إلا معي. هذه الفتنة اشتعلت نيرانها وكادت تحدث مصادمات بين الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج لكن الرسول تمكن من السيطرة علي الموقف وهدأت هذه العاصفة التي أثارها المنافق ابن أبي سلول. بينما عائشة تحترق حزناً ودموعها لم تتوقف خاصة أنها هي الطاهرة العفيفة التي تربت في بيت كريم ووسط أبوين يتمتعان بأذكي وأطهر سيرة بين قبائل مكةوالمدينة فهي الصديقة بنت الصديق. لم تمضِ سوي فترة قصيرة حتي نزل الوحي آيات من القرآن الكريم تبريء ساحة السيدة عائشة وتنذر أولئك الذين تناولوها بألسنة حداد. وفي نفس الوقت تحذر المؤمنين من الاشتراك في مثل هذه الأحاديث وتذكر الذين كانوا مثار حديث أهل النفاق بأن ذلك ليس شراً لكم بل هو خير لكم. وأن الذين روجوا هذه الشائعات حول الطاهرة العفيفة الصديقة بنت الصديق السيدة عائشة رضي الله عنها. آيات عشر في سورة النور "إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امريء منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولي كبره منهم له عذاب عظيم. لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا افك مبين".. إلي قوله تعالي: "يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين" هذه الآيات تتحدث عن حديث الافك وكلها نزلت في حق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حين رماها أهل الباطل والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب. فعن عائشة رضي الله عنها زوجة النبي - صلي الله عليه وسلم - قالت: كان رسول الله إذا أراد أن يخرج لسفر أجري القرعة بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله معه. فاقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي وخرجت مع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وذلك بعدما نزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه. فسرنا حتي إذا فرغ رسول الله - صلي الله عليه وسلم - من غزوته وقفل. ودنونا من المدينة إذن ليلة بالرحيل فقمت حين أذن الرحيل فمشيت حتي جاوزت الجيش. فلما قضيت شأني أقبلت إلي رحلي فلمست صدري. فإذا عقد لي قد انقطع فرجعت فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني فاحتملوا هودجي فرحلوه علي بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه. حيث إن النساء إذ ذاك خفافا. ثم بعثوا الجمل فساروا وبعد أن وجدت العقد رجعت فلم أجد أحداً فتيممت منزلي الذي كنت فيه.. وظننت أن القوم سيقصدونني فيرجعون إلي. فبينما أنا جالسة غلبني النوم فنمت. ثم أدركني صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني. وقد رأي سواد انسان نائم فأتاني فعرفني.. ثم أناخ راحلته فركبتها ووالله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة حتي أتينا الجيش في نحر الظهيرة. فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولي كبره عبدالله بن أبي بن سلول. وذلك بتصرف ولنا عودة لاستكمال حديث الإفك.