نشأت في بيت يظله الحب والتفاهم.. أبوان متحابان وأشقاء متفاهمون.. كنت الأقرب دائماً لوالدي ليس لأنني الافضل وإنما بحكم طبيعتي فأنا إنسان مرهف الحس موصول دائما بهموم غيري وما يدور حولي.. لذلك كنت شديد التعلق بأمي مثلما كنت شديد الالتصاق بأبي.. فألاحقه كظله داخل البيت وفي المحل فقد كان واحداً من أشهر "الترزية" علي مستوي كفر الشيخ وزبائنه من كبار الادباء والشعراء ما أتاح لي التعلم علي أيديهم فن كتابة الشعر ونظمه حتي أتقنتة وصار لي مستقبل كبير فيه. وظل الحلم الذي يتمناه لي أبي وأشقائي أن نعمل جميعاً في سلك التدريس وكان له ما أراد خاصة معي فلم أكتف بدبلوم المعلمين بل حرصت علي الالتحاق بالجامعة رغم كل الصعاب التي واجهتها وأدت إلي تعطيل هذه الخطوة لأكثر من عشرين عاما!!؟ وفي أثناء دراستي للدبلوم تعرفت علي الفتاة التي رأيت فيها شريكة العمر فكان زواجي منها بعد التخرج.. هذا الزواج الذي مضت السنوات الثلاث الأولي منه كالحلم الذي زاد من جماله قدوم أول فرحتنا ابنتنا "ولاء".. لكن ما كانت الليلة الاولي من بعد الألف يوم التي أمضيتها مع زوجتي الحبيبة حتي بدأت تشكو من متاعب بالقلب.. شكوي لم تستمر طويلا فسرعان ما غادرت الغالية دنياي في صمت. ظللت شهوراً بعد رحيلها أحاول استعادة توازني النفسي في الوقت الذي لم يتوقف إلحاح الأهل والأصدقاء علي ضرورة الزواج حتي تجد صغيرتي الرعاية المطلوبة.. وجاء الزواج الثاني من سيدة لم ألق منها والشهادة لله ما فيه ظلم لابنتي وإنما إفتقدت ناحيتها الشعور بالاستقرار النفسي والقبول فكان إنفصالي عنها بعد أقل من ثمانية أشهر وقبل أن تأتي إبنتي الثانية منها إلي الدنيا! لذلك حينما جاء اختياري للزوجة الثالثة بحثت عن الأكثر دراية وعلماً وخلقاً وكانت إحدي خريجات الأزهر.. وفي البداية لم تكن هناك أية مشكلات تعكر صفو حياتنا خاصة ما يتعلق بابنتي من زوجتي الراحلة حتي جاء الامتحان الحقيقي لزوجتي الثالثة حيث انشغلت تماماً عن رعاية ابنتي بعد قدوم المولودتين الجديدتين وهنا بدأت ألاحظ فرق المعاملة.. والاهتمام والاحتواء.. تلك الفروق التي تزايدت مع دخول ابنتي "ولاء" في مرحلة المراهقة فأخذت أشعر بمدي العذاب النفسي الذي تعاني والمسابقات الثقافية وغيرها. .. رحلة كفاح وطموح جعلتني من أكثر الآباء حظاً فأنا معي من البنات خمس حتي الآن بخلاف شقيقتهن الكبيرة التي تخرجت في الجامعة وتزوجت وصارت أماً.. رحلة ما كنت أجتاز عقباتها لولا تقربي من الله وإخلاصي مع الجميع رغم المسئوليات الضخمة الواقعة علي كاهلي كزوج لاثنتين وأب لخمس بنات. أسامة القباني كفر الشيخ المحررة تماثلت تجربتك في بعض جوانبها مع تجربة صاحب قصة "تستهلي.. ماما" التي تناولتها الاثنين الماضي فقد ذقتما معاً مرارة "الترمل" برحيل زوجتكما المفاجئ ليفرض عليكما التفكير من جديد في الزواج بآخري بحثاً عمن ترعي صغاركما وإذا كان الاول قد اكتفي بزوجة ثانية وجد فيها كل ما يتمناه من إخلاص ووفاء وامانة فقد اختلفت أنت عنه حين تلاطمت بك الأمواج لتخفق تارة.. وتوفق تارة أخري.. زيجات متعددة دفعتك إليها بحسب قولك وأظنك صادقاً- خوفك علي أبنتك التي إفتقدت حنان أمها مبكراً. وبروح الشاعر تحدثت عن شريكة حياتك الأولي وكيف اختطفها الموت منك؟.. محنة قاسية جعلتك تتخبط دون أن تحسن الاختيار حتي صار في عنقك خمس بنات أخريات تحمد الله عليهن رغم عظم المسئولية التي علي عاتقك.. كنت كتاباً مفتوحاَ لكل من حولك فلم تحدثنا عن مشكلات وقعت بين زوجتيك الثالثة والرابعة ما يؤكد أن روح المكاشفة والمصارحة هي من سمات شخصيتك فلا مواربة أو ميل .. لتعرف كل منهما مالها وما عليها .. وكان عهدك الوفاء لكل من كان له فضل عليك خاصة أبويك اللذين كان لك نصيب كبير من دعائهما حين علا نجمك في سماء الشعر والأدب .. وحين حققت حلم أبيك في استكمال دراستك الجامعية رغم العواصف والانواء التي ظلت تلازمك لأكثر من عشرين عاماَ. قدمت لنا النموذج للابن البار والزوج الوفي والأب المعطاء.. فهنيئاً لك براحة البال يا "أبو البنات" وكل عام وأنت بخير.منه في ظل انصراف زوجتي عنها. لذلك قررت خوض تجربة الزواج للمرة الرابعة ولا تتعجبي فقد أقدمت علي هذه الزيجة الجديدة بحثاً عمن تكون صديقة وأما لابنتي في هذه السن الحرجة.. وفي خضم تلك الاحداث لم أنس وصية أبي بضرورة الالتحاق بالجامعة فاستطعت بفضل الله استئناف الدراسة من جديد بعد توقف دام لأكثر من عشرين عاماً لأحصل علي بكالوريوس العلوم والتربية خطوة جعلتني أكثر رسوخاً في مجال مهنتي كمدرس.. وأوفر حظاً في الروابط الأدبية