كانت السيدة خديجة تعرف قدر محمد - صلي الله عليه وسلم - ومنذ فجر دعوة الحق علي يد رسول الله - صلي الله عليه وسلم وهي تقف بجواره. تصدق بكل ما جاء به. وكانت تخفف عنه عندما يسمع أي شيء يكرهه من رد السفهاء عليه أو تكذيبهم له وحين يعود إلي منزله حزينا نتيجة أفعال هؤلاء المكذبين. تتولي هذه الزوجة التخفيف عنه وتثبيته وتهون عليه. وقد أنعم علي بنت خويلد بذرية صالحة وقد كان أكبر الأبناء القاسم وكان يكني به - صلي الله عليه وسلم - ثم الطيب وبعده الطاهر. وهؤلاء الأبناء الثلاثة قد توفاهم الله إبان فترة الجاهلية. أما البنات فأكبرهن رقية. ثم زينب. ثم أم كلثوم. وآخر البنات فاطمة وكانت تحظي بحب المصطفي باعتبارها آخر البنات. ومن فضل الله سبحانه ان البنات أدركن الإسلام وهاجرن مع الرسول إلي المدينةالمنورة. وقد شاءت إرادة الله أن تكون ذرية سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - من السيدة خديجة هي الباقية بعد رحيل الرسول إلي الرفيق الأعلي ومن قبله زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها. احفادها هم آل البيت الذين أوصي الله في القرآن بمودتهم "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي ومن يقترف حسنة نزد فيها حسنا إن الله غفور شكور" "23 الشوري" إنها مشيئة الله وقدره. إن أم المؤمنين خديجة قد جاء تقديرها من الحق سبحانه وتعالي فعن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "أُمرت أن أُبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب. القصب: هو اللؤلؤ المجوف. وأن جبريل أتي النبي - صلي الله عليه وسلم: فقال يارسول الله هذه خديجة قد اتتك معها إناء فيه إدام أو طعام وشراب فإذا هي أتتك فأقرأ عليها السلام من ربها عزوجل ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب" تلك نتيجة الاخلاص والتفاني في خدمة الرسالة المحمدية ووقوفها بكل قوة وثبات وحنان مع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في أصعب الأوقاف. ولذلك كان حزن الرسول - صلي الله عليه وسلم شديداً حين انتقلت إلي جوار ربها وتصادف ذلك مع وفاة عمه أبي طالب ولذلك أطلق علي عام الوفاة بأنه عام الحزن. لأنه فقد السند الداخلي المتمثل في السيدة خديجة والسند الخارجي المتمثل في عمه أبي طالب. إنها طبيعة الحياة وقد قابل الرسول - صلي الله عليه وسلم هذا الحدث الأليم بالصبر. وكان جزاء رب العالمين علي هذا الصبر رحلة الإسراء والمعراج للتسرية عنه - صلي الله عليه وسلم. وقد تركت السيدة خديجة رضي الله عنها أثراً طيبا في نفس رسول الله - صلي الله عليه وسلم وكان دائماً يتذكرها بكل خير ويمتد ذلك إلي إكرام أي سيدة كانت تزور بيت النبوة في حال حياة السيدة خديجة ويردد أنها كانت تأتينا أيام خديجة ولتكرار الرسول لهذه العبارات في كل زيارة لمثل هذه السيدة السفيرة لدي السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق التي تزوجها بعد وفاة السيدة خديجة مع غيرها من الزوجات الأخريات. وقد غضب الرسول من غيرة السيدة عائشة وحرصاً علي رضائه امتثلت السيدة عائشة لرأيه ورغبته ولم تنطق بأي كلمة تنبئ عن غيرتها عند سماعها قول الرسول: كانت تأتينا أيام خديجة". إن أم المؤمنين السيدة خديجة نموذج وقدوة غير عادي لكل بنات حواء وليت كل هؤلاء يستلهمن هذه القدوة في حياتهن وصدق الشاعر: ولو كانت النساء كهذه لفضلت النساء علي الرجال