تباينت ردود الأفعال بين علماء الدين بسبب التقارير التي بثتها وكالات الأنباء من أن تركيا قامت بتجميع جديد لبعض أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم وإعادة تفسيرها بشكل جديد تماماً واستبعدت تلك التي تري أن وقتها قد انقضي حيث قامت تركيا باختيار بضعة مئات من الأحاديث النبوية الشريفة من أصل أكثر من 17 ألف حديث وقامت بتفسيرها وفق مفهوم عصري يتماشي مع المفاهيم التركية وبما يواكب ظروف العصر الحديث. كان محمد أوزافسار مدير المشروع ونائب رئيس هيئة الشئون الدينية الحكومية في تركيا قد أكد في تصريحات له: "لم نعد نعيش في القرن العشرين.. صرنا في حاجة إلي عمل جديد يعرض المعتقدات الإسلامية من منظور ثقافة اليوم". السؤال الذي يفرض نفسه هل يحق لكل دولة أن تقوم بتنقية الأحاديث النبوية الشريفة وتفسرها وفق أفكارها ومفهومها العصري بينما تتجاهل الأحاديث الأخري؟.. عرضنا هذا السؤال علي علماء الدين وكانت هذه إجاباتهم: د. سعد الدين الهلالي رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر يؤكد أن تفسير الأحاديث أو كتاب الله يختلف من شخص لآخر وبالتالي فإن تركيا نفسها التي فسرت الأحاديث تفسيراً عصرياً لا تملك أن تجبر الجيل القادم عندها بهذا التفسير.. فهي قد ظنت أنها وصلت للحقيقة ولكن هذا غير صحيح لأنها لا تستطيع أن تلزم الجيل القادم وإلا لاتهمنا نحن جيل الصحابة والتابعين لهم الذين أتوا بعدهم بعدم القيام بالواجب الذي قام به أهل تركيا.. فالذي قاموا به يصلح لزمنهم وعصرهم وربما هم في حياتهم يغيرون ويقولون أسأناً التفسير قبل موتهم هم أنفسهم ونريد تفسيراً آخر لأنهم ليسوا أنبياء إنهم علماء وفقهاء والفقيه متغير دائماً كلما زاد فقهه والفقه هم الفهم وليس له مرتبة نهائية وممتد وهؤلاء الذين فسروا بفقه بشري - وفوق كل ذي علم عليم - هم أنفسهم قد يطورون علمهم وفقههم ويقولون كنا ضعافاً في التفسير. كما أريد أن أضرب مثلاً الإنسان عندما يكون في سن معينة في شبابه يكتب كيفما يحلو له وعندما يكبر في السن يضحك علي نفسه عما كتبه في صغره وكان يظن أنه شاعر الشعراء وأديب الأدباء إذن الإنسان يتغير كل بضع سنوات وكذلك التفسير يتغير بتغير الأجيال.. من هنا لا يوجد تفسير نهائي بل التفسير بلا نهاية لأن الإسلام جاء لجيلنا والأجيال القادمة. عمل مرفوض يقول د. عبدالفتاح إدريس أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إن أخذ بعض الأحاديث وإعمالها في واقع الحياة وإهمال البعض الآخر يصدق عليه قوله سبحانه وتعالي "أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون".. وهذا ينطبق علي كتاب الله وباعتبار أن السنة هي وحي من الله تعالي كالقرآن فإن الله قد أمر في كتابه باتباع قول رسوله صلي الله عليه وسلم فقال سبحانه "وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي" وقال ايضا: "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". أضاف د. إدريس أن تقليص الأحاديث المروية عن النبي صلي الله عليه وسلم في عدد محدود منها وإهمال البعض الآخر هو ترك لوحي الله سبحانه وتعالي متعلق بالأحكام الشرعية ولهذا فإن تعطيل وحي الله تعالي علي هذا النحو هو في حد ذاته معصية لله وقد قام سلف الأمة رضي الله تعالي عنهم وأرضاهم بتنقية الأحاديث المروية والمنسوبة إلي النبي عليه الصلاة والسلام وبذلوا في ذلك جهداً جهيداً يلمسه المشتغلون بعلم الحديث فما تركوا حديثاً إلا بينوا مدي صحته أو ضعفه وقامت بمواكبة هذا الجهد الدول الإسلامية المعنية بالعلوم الشرعية بجمع الأحاديث الثابتة سواء كانت صحيحة أو حسنة وتجميعها في موسوعات مطبوعة ومدمجة في أقراص ومن ثم فلا يسوغ لأحد أن يتخلص من بعض هذه الأحاديث ويأخذ ببعضها لأن التمييز هنا جاء بين وحي غير سائغ لأن شرع الله تعالي وحدة واحدة متمثلة في الكتاب والسنة ولا نكون ملتزمين بهذا الشرع إلا إذا أخذنا بكل ما جاء به الوحي الإلهي.. لذلك فإن ما قامت به تركيا حرام شرعاً لأن السنة وحي مثلها مثل كتاب الله سبحانه وتعالي لا يجوز إعمال بعضها وإهمال البعض الآخر. لا يتنافي مع الشرع يري د. إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية أن ما قامت به تركيا لا يتنافي مع الشرع لأنها لم تلغ الأحاديث التي لم تنتقها بل فسرت بعض الأحاديث التي تتماشي مع ظروف العصر ومع مصالحها الدينية والدنيوية ونحن في انتظار التفسير الجديد لنحكم علي صلاحيته بالنسبة للأحكام الشرعية في مصر التي تتماشي مع عاداتها وتقاليدها وحال مجتمعها. أضاف أن كل شيء قابل للتفسير إلا أن بعض الأحاديث كان لها مواقفها وزمانها الذي قيلت فيه ولا تتماشي مع عصرنا الحديث وظروفه وبالتالي لا توجد ضرورة ملحة كي يدرسها الباحثون لأنها لن تفيدهم في شيء بالنسبة لظروف العصر لذا فلا مانع من الخطوة التي قامت بها تركيا طالما أنها لا تتنافي مع الشرع والدين.