استمرار اعتصام القضاة في الوقت الذي يؤكد فيه المسئولون ضرورة إصدار قانون جديد للسلطة القضائية انتقالا إلي حالة الجدل المثار حول أحكام المحكمة الدستورية الأخيرة ومرورا بإصلاح القضاء وانهاء عهد التوريث وغيرها من القضايا الشائكة التي تهم الشأن القضائي دار الحوار مع المستشار محمد محمود شكري رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا الذي أجاب عن كل التساؤلات المطروحة علي الساحة بكل صراحة ووضوح. * كيف يمكن ان يتحقق استقلال القضاء؟ ** لن يتحقق الاستقلال الا بعدم التدخل في أعمال القضاء من أي سلطة من السلطات.. وما يحدث الآن هو تغول لا مبرر له من السلطة التشريعية للشوري فالاصرار علي مناقشة مشروع القانون المقدم من حزب الوسط علي الرغم من الموقف المتأزم الذي يسود المشهد المصري ويعكس حجم الصراع القائم بين سلطات ومؤسسات الدولة. أؤكد اننا لسنا بحاجة ملحة في هذا التوقيت لمناقشة قانون السلطة القضائية تحديدا لأن هذا القانون ينبغي أولا ان يقدم من الهيئات القضائية وبموافقتها وفي نفس الوقت يحتاج الي فترة كافية للنقاش والحوار أما ما يحدث الآن فهو يهدد القانون بالعوار والبطلان ونحن في غني عن ذلك نريد ان نكون في هذا التوقيت الحرج يدا واحدة لمواجهة المشاكل والأزمات المتعددة التي تحيط بنا من كل جانب كي نستطيع النهوض بالمجتمع بدلا من الانزلاق والانحدار نحو الهاوية. * ما التوقيت المناسب لإصدار هذا القانون؟ ** من الأفضل الانتظار إلي حين الانتهاء من انتخابات مجلس النواب واستقرار الأوضاع وباعتبار ان المجلس هو الجهة الشرعية للتشريع واصدار القوانين.. كما ان الشوري الآن وبعد اصدار حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون انتخاباته والابقاء عليه لحين انتخاب مجلس الشعب غير مؤهل لمناقشة مثل هذا القانون والقضاء لا يجب ان يخضع لأي ضغوط من أي جهة باختصار شديد القاضي والمشرع لابد ان يتعامل مع القاعدة القانونية بحيدة وتجرد. * لكن البعض يري ان هذا الحكم مسيس؟ ** لا قضاء في السياسة ولا سياسة في القضاء ولمست مع القائلين بأن أحكام القضاء مسيسة وحكم الدستورية منح الشوري رخصة البقاء وجعل منه سلطة تشريعية مؤقتة لحين انتخاب مجلس النواب وحتي لا يحدث فراغ تشريعي وتنتقل السلطة التشريعية كاملة في يد رئيس الجمهورية. * البعض يشير إلي أن الحكم يهدد ببطلان التشريعات التي أقرها مجلس الشوري.. فما حقيقة ذلك؟ ** من الممكن ان يحدث هذا بالفعل ويفتح باب الطعن علي قوانين الشوري.. علي أي حال ينبغي ان يتم التشريع في الشوري في أضيق نطاق ويقتصر علي مشروعات القوانين الملحة والضرورية لتلك المرحلة. * حرص الرئيس د. محمد مرسي علي التأكيد بعدم المساس بالسلطة القضائية.. فما رأيكم؟ ** بلا شك خطوة جيدة وبادرة طيبة تؤكد حرصه واحترامه لقضاة مصر ولكن ينبغي ان نجد تفعيل هذا الاتجاه علي أرض الواقع حتي لا يحدث اغتيال للسلطة القضائية وحتي لا يتم تصعيد الأمور. * أكد د. أحمد فهمي رئيس مجلس الشوري انه لا مساس باستقلال القضاء وطالب اللجنة التشريعية بضرورة الالتزام بأحكام المادة 169 من الدستور بوجوب أخذ رأي كل هيئة قضائية في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها؟ ** كل هذه التصريحات والتوجهات لا غبار عليها ولكن اتمني ان يتحقق والا يصدر القانون بتعديله مسيئا لأي هيئة قضائية. * ما رأيكم فيما أبدته المحكمة الدستورية علي قانوني مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية؟ ** ما تقره المحكمة الدستورية في أحكامها هو القرار الصحيح ولا يملك أحد التعقيب عليها أو مراجعتها وهي تؤدي عملها. * البعض يري ان السماح للجيش والشرطة بالمشاركة في العملية السياسية في هذا التوقيت يبعده من التفرغ للمهام الأساسية؟ ** مشاركة أفراد القوات المسلحة والشرطة لا تعني التحزب أو الاشتغال بالعمل السياسي والمشاركة في الانتخابات والإدلاء بالأصوات حق دستوري من حقوق كل مواطن والمجندين والمحكمة الدستورية تري أن حرمان الضباط من مباشرة حقوقهم السياسية طوال مدة خدمتهم انتقاص من المواطنة الاستفتاء الشعبي * أجمع خبراء القانون علي عدم جواز استفتاء الشعب علي بقاء المحكمة وعلي الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية مؤكدين ان هذا الاتجاه يكرس لدولة الفوضي.. فما رأيكم؟ ** من المؤكد انه لا ينبغي ان ننحي مثل هذا السلوك وحتي لا تصل إلي عدم احترام القانون ويكفي ان نعلم ان الدستورية العليا بمصر هي ثالث محكمة علي مستوي العالم وهي التي تتصدي بقوة الي الافتئات علي الحقوق والحريات وحكمها غير قابل الطعن عليه فهو نهائي وواجب النفاذ. * هل يلمس أحكام الدستورية المواطن البسيط؟ ** الاختصاص الأسمي لهذه المحكمة هو حماية البسطاء من المواطنين من بعض القوانين التي تخل بالنظام الدستوري وعدم المساواة بين الناس فعندما يطعن علي إحدي المواد بعدم الدستورية يأتي حكمها ليفصل في الأمر وينهي حالة الجدل أو الخلاف القانوني وهي تؤدي الأمانة التي عهد بها الدستور واليها وكل أحكامها صادرة لصالح حماية وحقوق المواطن. * كيف ترون التعقيب علي أحكام القضاء؟ ** هناك فرق بين التعليق علي الأحكام أو التعرض لها بالنقد.. وهناك مقولة معروفة وهي الحكم عنوان الحقيقة فلا يجوز مناقشة الحكم.. هناك طرق حددها القانون للطعن علي الحكم.. ولكن ما يحدث في وسائل الإعلام وظهور بعض الأشخاص للتعقيب أو النقد علي أحكام القضاء أمر لا يستقيم فلا يجوز لأي شخص ان يتدخل أو يمس القضاء من بعيد أو قريب. * هل القضاء بحاجة الي التطهير؟ ** أرفض كلمة تطهير جملة وتفصيلا فهي تسئ لقضائنا الشامخ ولكن من الجائز القول أو المطالبة بالإصلاح من بعض الأخطاء والقضاء قادر علي إصلاح نفسه بنفسه ومن تلقاء ذاته لذلك أكرر ان تدخل أي سلطة من سلطات الدولة في عمل القضاء بهدف الإصلاح لا يجوز وهو يتنافي مع مبدأ استقلال القضاء كما ان القضاة يتركون الخدمة إذا احاطت بهم الشبهات. تخفيض السن * هل تخفيض السن هو المذبحة الحقيقية للقضاء؟ ** دون شك هذا معناه ان يحدث تجريف لخبرات لا يمكن تعويضها بأي صورة من الصور من أين يستقي الجيل الجديد في السلك القضائي خبرته. * المستشار حاتم بجاتو وزير الدولة للشئون القانونية أكد أنه لم تكون هناك مذبحة للقضاء؟ ** مع احترامي الشديد للمستشار بجاتو لكنه المسئول عن هذه التصريحات واعتقد انه لم يصرح بها الا إذا كان متأكدا منها. * التوريث في القضاء ساهم في ضياع حقوق أوائل الخريجين من التعيين في الهيئات القضائية فإلي متي يستمر هذا الوضع؟ ** لا يوجد ما يسمي بالتوريث في القضاء لكن ما يحدث هو ان أولاد المستشارين يلتحقون للعمل بالهيئات القضائية في دفعات لاحقة وليس في نفس سنة التخرج ويخضعون لعدة اختبارات ومعايير محددة وإذا نجحوا في اجتيازها يتم تعيينهم وبالمناسبة كان يحدث هذا منذ سنوات بعيدة.. وفيما بعد تم اشتراط تقدير جيد لأبناء المستشارين لكي يتمكنوا من الالتحاق بالقضاء أما في الماضي فقد كان يكفيه الحصول علي تقدير مقبول للالتحاق بالعمل في النيابة إضافة للاختبارات الشفهية والتحريرية الي جانب التقارير الأمنية المتعلقة بالانتماءات السياسية والدينية وهو أمر جيد لأن القاضي ينبغي ان يكون مجردا وبعيدا عن الانتماءات والاتجاهات الحزبية. * كيف تري اعتصام القضاة وتأجيل مؤتمر العدالة؟ ** هذا ليس اعتصاما بالمعني الحقيقي فلا يصح للقاضي ان يعتصم أو يضرب أو يعلق العمل في المحاكم لأنه يتعلق بمصالح الناس والوطن وما يجري الان هو حالة من الاعتراض علي ما يحدث من هجمات شرسة علي القضاء المصري والمساس بهيبته كما انه يعد العمود الفقري للمجتمع والمرآة التي تعكس صورته أمام العالم وهو الملاذ والحصن الأخير لكل الناس. وفيما يتعلق بمؤتمر العدالة فلا يصح وسط هذه الحالة والأجواء المشحونة ان ينعقد المؤتمر.. لابد ان تهدأ الأمور ويتم ازالة الاحتقان بين السلطات الثلاث. * كيف تبدو صورتنا أمام العالم في ظل هذه الأجواء المشحونة؟ ** للأسف صورة مهزوزة نتيجة لحالة التربص والتحفز السائدة والتي تصل الي الصدام في بعض الأحيان حقيقة لدينا مشاكل وصعوبات لكن ينبغي الا نصل الي طريق مسدود لأنه في النهاية سيدفع الجميع الثمن والخاسر هو الوطن. * ما تقييمكم للزيارة التي قام بها رئيس الاتحاد الدولي للقضاء؟ ** لكي يتم الحكم بكونها خطوة ايجابية أو سلبية فينبغي ان نري لها نتيجة علي أرض الواقع وحتي الآن لم تظهر أية نتائج لهذه الزيارة. * لكن هناك من شعر بالاستياء لتدويل الأزمة واللجوء للخارج؟ ** الآن العالم أصبح قرية صغيرة وكل ما يحدث في الداخل تتناوله وسائل الإعلام وتنقله في ثوان الي كل انحاء العالم وأيضا بفضل الانترنت والتكنولوجيا تتطاير الأخبار والمعلومات دون صعوبة ونحن لسنا أول دولة تلجأ للاتحاد الدولي لاستقلال القضاء فهناك دول سبقتنا الي ذلك وهو أمر لا يعيب ولا يجب الهجوم عليه. * ما رأيكم في أزمة النائب العام؟ ** الاشكالية الحقيقية في الإجراء الذي تم بعزل النائب السابق وتعيين النائب الجديد هذا ما جعل الغالبية العظمي من رجال القضاء لا يشعرون بالرضا تجاه هذه الخطوة والاعتراض ليس علي شخص النائب المستشار طلعت عبدالله.. كما ان هذا الإجراء تم في مناخ ملتهب مما ساهم في تفاقم الأزمة. * بعد أكثر من عام تم الحكم في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني وهي القضية التي تنحيتم عن نظرها؟ ** لقد تنحيت بعد مرور 24 ساعة من نظر القضية لتدخل المستشار السابق عبدالمعز ابراهيم فلقد طلب مني إلغاء قرار المنع من السفر للأجانب نظير كفالة تصل الي 2 مليون جنيه لكل متهم ولكن رفضت وقمت بلقاء وزير العدل السابق المستشار عادل عبدالحميد وأطلعته علي كل تفاصيل القضية ووعدني بأنه سوف يقوم ياتخاذ الاجراءات اللازمة وبعد مرور فترة تقدم جموع من القضاة بالشكوي لوزير العدل والمجلس الأعلي للقضاء للتحقيق في القضية.. وتم ندب المستشار محمد رضا شوكت للتحقيق في هذا الأمر وسؤال الأطراف المعنية والي الآن لم نعلم ماذا تم في هذا التحقيق. ثم تولي الوزارة المستشار أحمد مكي ولديه أيضا علم بكل تفاصيل القضية ووعد باتخاذ الاجراءات اللازمة الي ان ترك الوزارة دون ان يتم شيء. أما المجلس الأعلي للقضاء أحال الشكاوي الخاصة الي النائب العام للتحقيق فيها جنائيا وتم ندب قاض للتحقيق وهو المستشار عاصم عبدالحميد وقمت أنا وزملائي المستشارون بالإدلاء بما لدينا من معلومات.. وعلي الرغم من هذه التحقيقات لكننا لم نعرف ماذا تم حتي الآن والي متي سيظل هذا الملف غامضا علي الرغم من كل هذه التحقيقات. اعتقد انه لابد من اعلان النتائج ومعرفة التدخل والضغوط التي تم ممارستها علي هيئة المحكمة التي أشرف برئاستها لإلغاء قرار المنع من السفر.