وقد كان الأمل في تقرير اللجنة الدولية للتوصل الي حلول لهذه الأزمة إلا أنه جاء مخيبا للآمال حيث جاء مبهما ويحاول إرضاء كل الأطراف. لهذا كان ضروريا أن نلجأ إلي خبراء مركز الدراسات الافريقية للتعرف علي حقيقة الأمر من خلال الدراسات العلمية التي أجروها والتعرف علي رؤيتهم لسبل الخروج من الأزمة دون الاضرار بعلاقات مصر مع دول أفريقيا. وقد أكد الخبراء ان سد النهضة يعد أسوأ من نكسة 1967 وانه سيكون له تأثيرات خطيرة ليس علي مصر فقط بل علي أثيوبيا ذاتها بسبب بنائه بمنطقة الأخدود الأكثر تعرضا للزلازل!!. في البداية يري الدكتور ماهر شعبان خبير الشئون الافريقية بمعهد الدراسات الافريقية ان العلاقات المصرية الأثيوبية أزلية وتعود إلي ظهور المسيحية ثم امتدت عبر العصور القديمة والوسطي والحديثة مشيرا إلي أن الارتباط الديني تمثل في الكنيسة المسيحية الأثيوبية التي كانت تتبع الكنيسة المصرية وكان يطلق علي البابا كرلس السادس بابا مصر وأفريقيا وكان له الحق في الاشراف علي الكنيسة الأثيوبية ورغم أن الدين المسيحي يدين به غالبية الأثيوبيين إلا ان هناك عددا ليس بقليل يدين بالإسلام. ولهذا فإن هناك ارتباطا وثيقا زاد في عصر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي شارك في تحرير دول أفريقيا وصنع السلام فكان له رؤية واضحة للقارة الافريقية قائمة علي المشاركة والاحساس بالآخر بعيدة عن الدونية ولهذا فإن هناك شارعاً من أكبر الشوارع يحمل اسم عبدالناصر في 8 دولة أفريقية. أضاف: عند قيام ثورة يوليو 52 رسمت مصر وسط ثلاث دوائر عربية وأفريقية وإسلامية فلم يغفل الجانب الافريقي ولهذا كانت استقبالات عبدالناصر في مؤتمرات القمة الأفريقية أسطورية وتحمل معاني المهابة والزعامة.. وبالتالي لم تجرؤ أثيوبيا علي التفكير في بناء السد وفي عام 67 عندما وضعت مصر في مأزق سياسي بسبب النكسة قامت أثيوبيا بمحاولات جس النبض فقط أما الأن فنحن نعيش فترة أسوأ من نكسة 67 حيث تم استغلال ظروف مصر الحالية منذ الثورة وقامت بالبدء في بناء السد دون اجراء مشاورات مع مصر. أوضح انه في عصر السادات حاولت أثيوبيا جس النبض مرة ثانية بعد أن تغير اسم السد ولكن السادات قال كلمته المشهورة لا مساومة علي حق مصر في النيل وسيكون السد بمثابة إعلان حرب علي مصر وسأضطر لضربه في مهده.. وفي عهد مبارك مرت العلاقات الأثيوبية بثلاث مراحل فترة التعاون وفيها تولت مصر رئاسة منظمة الوحدة الافريقية مرتين متتاليتين ثم مرحلة الذبول وعدم الاهتمام وجاءت بعد تعرض مبارك لمحاولة الاغتيال في أديس أبابا والتي انتهت بالقطيعة مع القارة الافريقية ثم جاءت ثورة 25 يناير وأعادوا عمليات جس النبض وعندما تأكدوا من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي أعلنت بناء السد والأغرب انه تم الاسراع بالتواريخ فبدلا من تحديد موعد الانتهاء من تحويل مجري النيل الأزرق في سبتمبر تقدمت به ثلاثة شهور لينتهي في مايو وتحاول جاهدة ومسرعة الانتهاء من عملية الانشاء والتنفيذ. يشير الدكتور ماهر إلي ما أصابه من دهشة من كلام الشعب الأثيوبي عن "كسر العنجهية المصرية" وتناسوا أن مصر ساعدتهم وكانت وراء تحررهم من الاستعمار وتناسوا ان مصر لم تبخل بالمد العلمي ودور الأزهر.. ويتساءل: لماذا هذا الهياج السياسي في الشارع الأثيوبي؟! محذرا من الاستقواء باسرائيل وأمريكا لأنهما لا يعرفان سوي مصالحهما فقط وتضع أثيوبيا في اعتبارها ان الصراع العربي الاسرائيلي لم ينته وان قضية الماء هي أمن قومي لمصر وعمق استراتيجي لما يسببه نقص الحصة من أضرار علي الاقتصاد المصري.. وهذا يختلف كثيراً عن بناء السد العالي لأنه لم يؤثر علي أحد وبالتالي فإن أثيوبيا أخطأت من الناحية التاريخية في حق مصر لأنه من الضروري التوصل إلي اتفاق ثم موافقة دولتي المصب. أما عن الحلول لأزمة سد النهضة يوضح الدكتور أحمد شحاتة أستاذ الجغرافيا بمعهد الدراسات الأفريقية ان الأزمة تحتاج لموقف موحد لمصر متكامل تتضافر فيه كل الجهود وتوضع رؤية للمتخصصين في شكل استراتيجية عمل لكيفية التعامل وإدارة الأزمة وعلي الدولة أن تعي أن ملفات مصر الخارجية لن تنتظر ترتيب البيت من الداخل لأنها متسارعة وخطيرة خاصة إذا كانت تمس الأمن المصري المائي خاصة بعد صدور تقرير اللجنة الدولية فيجب أن تعمل مصر علي التدخل الفني في تعديل مواصفات سد النهضة لأن أخر تعديلات للسد تشكل خطرا فعليا بالنسبة للارتفاع كان محدد التصميم ألا يزيد علي 80 مترا أما التصميم المعدل وصل إلي 148 متر وهذا يوضح حجم تخزين المياه المتوقع ان يصل إلي 73 مليار متر مكعب من المياه سنويا وهذا يعني خصما مائيا من نصيب مصر سيصل في فترة ملء الخزان إلي 26 مليار متر مكعب لأنها ستصبح في "حصالة" أثيوبيا بمجرد بناء السد. أشار إلي ان الخطر الأكبر يتمثل في موقع السد الذي كان في التصميم الأول علي بعد 40 كيلو مترا من الحدود السودانية ولكن تم تعديله ليكون 15 كيلو مترا فقط وبالتالي ابتعاد أي مخاطر محتملة عن الأراضي الأثيوبية ويزداد الخطر علي الأراضي السودانية في حالة حدوث أي مشاكل إنشائية في جسم السد. وبالنسبة لتوقعات ان عمر السد قصير يؤكد ان سد النهضة سيقام في منطقة ذات طبيعة جيولوجية غير مستقرة لوقوعها في نطاق ما يسمي بالأخدود الافريقي والتي تتعرض لفترات متقاربة من الزلزال بالاضافة إلي زيادة العبء بوزن المياه في البحيرة والمحمل بما يقرب من 70 مليار طن من الطمي مما يشكل خطورة علي القشرة الأرضية وبالتلاي علي جسم السد الخرساني والذي يكون أقرب للتصدع من السدود الروكامية مثل السد العالي. وعلي مصر سيكون له الخطر الشديد علي بحيرة ناصر والسد العالي ولكن يمكن لمصر تخفيف حدة الفيضان إذا تم تصريفه في مفيض توشكي.. مشيرا إلي انه قبل الانتهاء من سد النهضة ستقوم أثيوبيا ببناء سدين آخرين وكار أدوبي ومندايا بغرض تخفيف الضغط علي سد النهضة والحفاظ عليه من أخطار الفيضانات المرتفعة وذلك حسب الدراسات والخطط الأثيوبية مع إنشاء ما يسمي بالمفيض لمواجهة زيادة المياه أمام سد النهضة وتصريفها. يري د.شحاتة ان وراء إقامة السد أهدافاً سياسية تساءل: إذا كانت أثيوبيا ترغب في توليد الكهرباء فلم لا تقيم السدود علي 10 أنهار أخري تجري داخل أراضيها ويمكن توليد الطاقة الكهرومائية منها مؤكدا أن إقامة سد النهضة علي النيل الأزرق يعتبر ورقة ضغط سياسية علي مصر لتصبح قوة جديدة ومركز تأثير بدول حوض النيل بديلا عن مصر ولكن الأخطر ان إدارة مياه سد النهضة وتوزيع الكهرباء ستكون بواسطة احدي الشركات الاسرائيلية التي تم التعاقد معها منذ بداية إنشاء السد في عام .2011 أما الدكتور جمال الضلع رئيس قسم السياسة والاقتصاد بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة فيؤكد ان الدول تبحث عن مصالحها ولابد من تفهم القضية بحيادية وموضوعية ووضع مصلحة الاخر في الاعتبار فإن دولة أثيوبيا تعاني من نقص الطاقة والبترول في ظل تزايد السكان الذي وصل أكثر من 75 مليون نسمة ووضع اقتصادي صعب ومتنام ويعتبر مشروع السد مشروعاً تنموياً وعلينا أن نتفهم ذلك ونتعاون معها ودعمها للنهوض ولكن الجهود السياسية في مصر في الفترة الأخيرة تشتت ولم تنظر للدول الأولي بالرعاية والمصلحة المشتركة. أضاف ان علاقات مصر بأثيوبيا يجب أن تكون متميزة بحكم الطبيعة خاصة انها لن ترضي الاضرار بمصر وهي لديها ثراء مائي حيث يسقط عليها ما يقرب من 1400 مليار متر مكعب سنويا من الأمطار وتتجمع في الأنهار والبحيرات وان حصة مصر 55.5 مليار متر مكعب تعتبر حصة بسيطة جدا.. وطالما أن أثيوبيا تجد نهضتها في بناء السد فهذا من حقها علي ألا تمس بحصة مصر .