هل سبق لكم وشاهدتم قفص كتاكيت يُفتح وتنطلق منه الأفراخ الصغيرة عدواً متقافزة فوق بعضها البعض في كل اتجاه. وبعد أن تضل اتجاهها تقف وتتكتل ثم تعود. هذا المشهد البيئي ذكرني بنكتة قديمة من عهد الرئيس السابق اسمحوا لي بروايتها لكم رغم قدمها! قال جمال مبارك لوالده أريد حكم مصر يا أبي.. فقال له تعالي معي وأخذه لميدان التحرير وأعطاه قفص كتاكيت وقال له بعد أن نثر ما في القفص في الميدان: أجمع تلك الكتاكيت.. أخذ يجري هنا وهناك حتي تعب ولم يجمعها كلها.. فقال له أبوه: انت لا تصلح ومع ذلك سأعلمك كيف تحكم مصر.. أخذ القفص بما فيه وأخذ في هزه ورجه شمالاً ويميناً ثم ألقي ما به في الميدان فنزلت الأفراخ تدور وتقع من الدوخة فجمعها في دقائق.. فقال مبارك لولي عهده: هكذا شعب مصر إن تجوعه وتدوخه تحكمه بسهولة. هذا الإسقاط السياسي هو محور مهم في سياسة حكم شعب مصر علي مر عصوره وحكامه.. حتي في زمن الثورة الجديدة المجيدة ثورة 25 يناير.. شعب مصر الذي توافد عليه كل حاكم بأنانيته ونرجسيته ورؤيته الأحادية التي لا تخضع لمنظومة شاملة مكملة نهضوية عن حق!! فكانوا يلجأون للأزمات والتجويع والمشاكل والفوضي فينشغل الناس ويتلهون عما هو أهم بما هو مهم فلقمة العيش والحياة وأمن الأسرة كلها طلبات وحقوق إنسانية ضرورية. ولهذا علي المواطن المصري أن يلهث ليحتفظ بآدميته علي الأقل دون أن يلتفت إلي أن الوطن يسرق منه وينهب بشكل عصابي منظم وهذ هو الأهم!! عصور وراء عصور وحاكم وراء حاكم إلي أن ثار أبناء هذا الوطن ليحرروه فما كان منهم إلا أن نبشوا بأظافرهم في بطن التاريخ يقلبون تربته عله يعاود الإثمار.. فظهر دود الأرض وانتشر.. وظهر أسوأ ما فينا حين نثرنا الحاكم في ميادين مصر تهان كرامتنا وتزهق أرواحنا ولا نملك إلا حق "الصَوْصَوَة" والصراخ: يسقط.. يسقط.. لكن يسقط من؟ لو سقط النظام وجاء نظام آخر ما الجدوي ونحن مجرد فراخ دائخة بُح صوتها من النداء علي الحرية والكرامة والعدالة المسافرة بعيداً عن هذا الوطن. إنني أطرح سؤالاً علي كل الجبهات الوطنية وغير الوطنية الثائرة عن حق.. أو عن باطل.. أو فقط لأن من حقها أن تجرِّب الصوت الذي خرج بعد قهر السنين فحق الصَوْصَوَة سيظل مكفولاً. ولكن...!! ماذا بعد يا سادة؟! نحن نحتضر. ومصر هذا الوطن تحوَّل لكفن كبير لأحلام صغارها. متي نكف عن الفوضي؟ متي نعود مصريين؟!