منذ حوالي عشر سنوات تشرفت بمعرفة المثقف النبيل الأستاذ منصور حسن وزير الإعلام الأسبق ووزير شئون رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس أنور السادات.. ذهبت إليه لزيارته في منزله خلال تلك الفترة عدة مرات بصحبة صديقنا المشترك الكاتب الصحفي الأستاذ محمود بسيوني ومجموعة من الصحفيين المستقلين.. وكان الأستاذ منصور يعيش وقتها فيما يشبه الحصار الذي فرضه عليه الرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه. وكان معروفاً لنا أن مبارك تملكته حالة من الغيرة الشديدة تجاه هذا الرجل النظيف العفيف عندما كان نائباً لرئيس الجمهورية.. فلما صار رئيساً انقلبت الغيرة إلي حقد وكراهية ورغبة في الانتقام والتنكيل. ومنذ ثلاثة أيام طلب مجلس تحرير "المساء" إجراء حوار موسع مع الأستاذ منصور في إطار الحوارات التي نصالح بها رموز الوطن الشرفاء الذين أسيء اليهم في صحف مؤسستنا خلال الفترة الأخيرة من حكم مبارك نفاقاً للوريث وتملقاً للجوقة المحيطة به التي ملكت زمام البلد وسخرت الكثير من الأقلام لخدمة مشروعها الخبيث. أبلغت مجلس التحرير أنني سأحاول الاتصال بالأستاذ منصور لإجراء الحوار رغم صعوبة المهمة.. بل استحالتها.. فأنا أعلم عمق الجرح الذي يشعر به الرجل العظيم من جراء الإهانة الفادحة التي وجهت إليه.. ووضعتنا في حرج شديد.. وبسبب هذه الإهانة لم أجد في نفسي الشجاعة وقتها كي اتصل به لاعتذر.. وأعبر عن خجلي واشمئزازي. لهذا .. طلبت من الصديق الأستاذ محمود بسيوني أن يتصل به أولاً ليمتص غضبة المواجهة الأولي نيابة عني.. ثم يبلغه اعتذاري واعتذار كل الشرفاء في صحف مؤسسة دار التحرير .. ثم يعرض عليه فكرة إجراء حوار المصالحة.. ولكن للأسف جاء الرد غاضباً ورافضاً بشدة إجراء أي اتصال مع "المساء" أو "الجمهورية" لأنها من الصحف التي أساءت لسمعتها.. وارتمت في أحضان الحزب الوطني وجمال مبارك بالكامل.. وتنازلت في سبيل ذلك عن مهنتيهما ودورها ورسالتها. قلت: نعم هذا حق .. لكن مصر تغيرت.. وصحافتنا أيضاً تغيرت .. ذهب النفاق والمنافقون.. وتحررت صحفنا من أغلال الكذب والفساد.. وتسخير الأقلام للمصالح الخاصة. لم يعد هناك أصنام يركع أمامها ضعاف النفوس.. ولم يعد هناك حراس الخزائن ليعزف لهم عبيد المال والسلطة. لم يعد هناك زكريا عزمي الذي يخصص له باب أسبوعي يسبح بحمده ويسجل أمجاده ومفاخره.. ولم يعد هناك سامح فهمي الذي يمنح العطايا لمن يتحدث عن فتوحاته البترولية الوهمية. لم يعد هناك في الدولة الآن من له مصلحة في الطبل والزمر .. ومن ثم اختفي الطبالون والزمارون .. وعادت صحافتنا لمن يعرف كيف يمسك بالقلم ويمسك بالفكرة.. وليس لمن يجيد الطبل والزمر. وأرجو ان يتسامح الأستاذ النبيل منصور حسن مع ما كان من صحافتنا فيما مضي.. وليتأكد ان صحفنا قد شفيت تماماً والحمد لله من فيروس النفاق والكذب والرياء والتطاول علي الشرفاء.. وليته يقبل اعتذارنا.. ومعه الدكتور مصطفي الفقي والدكتور محمد البرادعي والسيد عمرو موسي.. وكل من طاله رذاذ السفاهة علي صفحاتنا فيما مضي. إن الأغلبية العظمي من العاملين في مؤسسة دار التحرير .. من صحفيين وفنيين وإداريين وعمال أبرياء تماماً من تلك الجرائم التي ارتكبت في حق رموز الوطن علي صفحات جرائدنا.. كانوا يقرأونها ويدينونها .. ويسخرون ممن يدبجونها.. ويعلمون علم اليقين أنها أكاذيب لا هدف لها غير إرضاء من بيده المال والسلطة.. يهبهما لمن يشاء ويمنعهما عمن يشاء. وأخيراً أدركنا ان تلك الجرائم كانت ترتكب أيضاً لتضليل الرأي العام حتي لا يطلع علي الحقائق البشعة التي تكشفت الآن بعد ان سقط القناع عن الفاسدين. يا أيها السادة الأفاضل.. نعتذر لكم بأقوي مفردات الاعتذار وأجلها وأصدقها.. ونرجو ان تثقوا بأن تغيرت فعلاً.. تغيرت تماماً .. خلعت رداء الكذب والنفاق.. وصار هدفها الأول والأخير إرضاء المواطن "القاريء" الذي يبحث عن المعلومة الصحيحة والكلمة الصادقة والرأي الصائب. لقد سقطت صحافة الكاتب الواحد الذي هو سلطان الجريدة .. والقاريء الواحد الذي هو سلطان الدولة. ويا أيها الأفاضل.. نحن نمد إليكم أيدينا وكلنا ثقة أنكم سوف تغفرون للكاذبين والمنافقين .. فما أجمل التسامح .. وما أروع الغفران.