ترددت كثيراً قبل كتابة هذه السطور. ومنعني الحرج من الخوض أو تناول قضية تشغل بال العاملين في بلاط صاحبة الجلالة. كما أطلق عليها الأقدمون. تقديراً لمهنة الصحافة ومكانة الصحفيين باعتبارهم قادة الرأي. لكن شجعني أخي العزيز والزميل الفاضل زياد السحار نائب رئيس تحرير الجمهورية. وهو كما عرفته إنساناً دمث الخلق. خاصة أنني عاصرته سنوات طويلة في صالة الجمهورية بالمبني الواقع في شارع زكريا أحمد. وقد سبقني هذا الزميل المحترم في طرح هذه القضية وأشار إلي الانفلات الصحفي. وتطرق إلي واقع تعيشه المؤسسات الصحفية منذ أكثر من شهرين. بل قبل ذلك منذ فترات طويلة. ورغم أن المرارة التي كان يشعر بها حكماء هذه المهنة إلا أنهم كانوا يتجاوزونها حرصاً علي مكانة الصحافة وزملاء المهنة. وأملاً في انحسار هذا الواقع الأليم. حقيقة.. لقد كانت في القلب غصة. وأمضيت أوقاتاً طويلة مع الأسي والحزن. ويعتصر القلب الألم أسفاً علي الحالة التي وصلنا إليها من الملاسنة بين أبناء المؤسسة الواحدة. بل وبين شركاء المكان الواحد. يعيشون في مواقع قريبة جداً من بعضهم البعض ويمضون بها أوقاتاً أكثر مما يقيمون في بيوتهم. التطاول في الفترة الأخيرة تجاوز كل الخطوط الحمراء. وغيرها بصورة غير مسبوقة. ولم نعهدها أو نر مثيلاً لها. الشباب يتطاولون علي الكبار. والانفلات في أقصي درجات التجاوز. السباب والشتائم بلا حدود. والاتهامات علي أشدها. الخبرات التي تربينا بين أيديها طالها هذا التجاوز. فهل ديمقراطية شباب هذه المهنة تعطي الفرصة للابن أن يتطاول علي والده؟!.. وهل هانت علينا أنفسنا. حتي وصلنا إلي هذا التدني؟!.. وهل هذه صفات قادة الرأي في المستقبل؟!.. تساؤلات متعددة تدور في الصدر. وتتردد في أوساط الغيورين علي المهنة والزملاء. وهم الإخوة والأبناء!! ويحز في النفس كثيراً عندما أري ابناً عزيزاً يتطاول علي من أفنوا حياتهم في مؤسستنا العريقة. والحزن يتضاعف أكثر لتجاهل هذه الرموز. لقد ترامي إلي مسامعنا كثيراً من العبارات التي لا تليق مثل: "قاعدين ليه. كفاية خليهم يروحوا" ومن قال: "نطلق عليهم رصاصة الرحمة".. ومع شديد الأسف هذه الرموز وتلك الخبرات لديهم الاستعداد الكامل لترك مواقعهم بلا أي حرج. فقد أدوا دورهم بمهارة وكفاءة نالت التقدير والإعجاب. وتركوا بصمة لا تزال آثارها شاهدة علي شموخ هذه الخبرات. فهم الذين تحدوا المصاعب. وتربي علي أيديهم كثير من الأجيال. فهل يكون هذا جزاؤهم ويكون "آخر..... الغز...." كما يقول الأستاذ "محمد العزبي" في عاموده اليومي. هذه الخبرات. الانتماء يجري في عروقهم. ويدركون أن المستقبل للأجيال من الشباب. ويسعدون حينما يرون هؤلاء يصعدون أعلي الدرجات. وتتضاعف سعادتهم إذا وصلوا إلي موقع القيادة والرئاسة.. ويعتريهم الحزن عندما يتجاهلهم الأبناء. الانتماء يجري في عروقهم. وكل همهم أن تظل صحيفتهم عملاقة وقادرة علي المنافسة. وقد رأينا هذه الخبرات تشارك في العمل بهمة ونشاط عقب ثورة الشباب في 25 يناير. وسقوط النظام الفاسد. وضرورة تغيير القيادات الصحفية. وهم بحمد الله كثير في مؤسستنا العريقة دار التحرير. يساهمون بالأعمدة الصحفية التي تفجر العديد من القضايا. ويتناولون مختلف الموضوعات التي تهم قطاعات كبيرة. الواجب يحتم أن نحتضن هذه الرموز ونستفيد من خبراتهم بكل التواضع والتقدير. أعتقد أنه قد حان الوقت لوقفة مع النفس نستلهم فيها أيام الزمن الجميل. ووقف الملاسنة بصفة نهائية في هذه المرحلة التاريخية التي أبهرت العالم بثورة الشباب والشعب. نريد العودة فوراً إلي ماضي الأجيال العظام الذين تعلمنا منهم الكثير. ولتتضافر جهودنا من أجل رفعة هذه الدار. وليت هؤلاء الشباب يدركون أن نقيب النقباء "حافظ محمود وكامل زهيري.." وغيرهم من كبار رجالات الصحافة كانوا صورة جميلة لقادة الرأي.. وحدة الصف والاحترام المتبادل بين الكبار والشباب وليكن التنافس في العمل الجاد والإنتاج من أجل أن تظل دار التحرير قادرة علي العطاء من أجل نهضة مصر ورفعة مكانتها. ولعل هؤلاء الشباب يدركون أن شباب اليوم هم شيوخ المستقبل. وما أسرع دوران عجلة الزمان. لعل هذه النصيحة من صحفي عجوز غيور علي أبناء هذه المؤسسة تنفذ إلي القلوب. ونبدأ صفحة جديدة من العرق والجهد لاستعادة مكانتنا في الريادة والتسابق في خدمة القراء والوطن وعلي الله قصد السبيل.