أصارحك بأن الحزن يلفني عندما أزور الإسكندرية. حي بحري بالذات. هذه الأيام.. تغيرت الصورة تماماً. فأنا أفضل أن أعتمد علي صور الذاكرة.. أفلح الانفتاح في أن ينفذ بمظاهره السيئة إلي الموطن الذي نشأت فيه. وأحببته. بحري الذي عشت فيه يختلف عن ذلك المبني الخرساني الهائل الذي احتل ميدان أبي العباس. فذوت الروحانية وحميمية البشر. تعرضت العمارة الجميلة لجامع أبوالعباس. وفي الجانبين جامع البوصيري وياقوت العرش. إلي عملية تشويه متعمدة. بالسطو علي مساحة الميدان. وإقامة هذه الكتلة الخرسانية الهائلة موضعها. تشغلها المولات والمطاعم ودكاكين البازار. أفتقد الحديقة الهائلة أمام سراي رأس التين تتيح خضرتها للجميع. ويتلي فيها القرآن في ليالي رمضان.. شاطئ الأنفوشي احتلته الكبائن وورش المراكب. فضاعت فرص أبناء الحي في الإفادة من البحر الذي ولدوا علي شاطئه.. الكثير من الصور التي أحببتها. وعبرت عنها فنياً في أعمالي. مقابلاً للكثير من الصور التي لا تعدو تشوهات في الجسد الجميل. حي الجمالية بعمارته الإسلامية وشوارعه الضيقة وأقبيته ومساجده وزواياه وحرفييه. هو التعبير عن القاهرة المعزية بكل زخمها التاريخي والمعماري والإنساني. ذلك ما يصدق إلي حد كبير علي حي بحري. وإن انتسب الكثير من أبنائه إلي المهن المتصلة بركوب البحر.. وإذا كانت وزارة الثقافة تحاول إنقاذ الجمالية من الزحف الخرساني. فلعل ذلك ما يحتاج إليه بحري. لا أقصد البيوت القديمة المتهالكة. فلابد أن تمتد إليها يد الإنقاذ وفق أسس معمارية محددة. وإنما أقصد المعالم المعمارية والتاريخية المهمة.. لتكن البداية علي سبيل المثال بإزالة تلك الكتلة الخرسانية الهائلة من ميدان أبي العباس. مقابلاً لما حدث في ميدان الحسين. فيعود إلي الميدان ما سلب منه. وما ألفه من ملامح متفردة. يفتقدها أهل الإسكندرية وزوارها! غير الزمن طبيعة المكان. الكثير من الأشياء غابت ملامحها. أو تداخلت في ملامح أخري جديدة. ليس هذا هو بحري الذي عشت فيه طفولتي وصباي وسنين من شبابي. الفضاءات التي صارت فيما بعد محوراً لكتاباتي. كل الصور في ذاكرتي ثبتت علي مشاهد محددة.. تغلبني الحيرة وأنا أحاول الكتابة. وأنا أحاول استعادة الملامح والقسمات. ما بين المشاهد الآنية وتوصيف الذاكرة. ما أزاله الهدم. والجديد الذي بدَّل طبيعة المكان. كما رويت لك. فإني أغمض العينين أحياناً "لي قصة اسمها "إغماض العين"".. وأحاول استعادة ما كان