بعد صدور قرار محكمة جنايات القاهرة بتأييد قرار المستشار الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام بالتحفظ علي أموال الرئيس السابق محمد حسني مبارك وزوجته وأولاده ثار سؤال هام هل نستطيع محاكمة الرئيس السابق بعد عودة العمل بالدستور في ظل وجود المادة 85 من الدستور؟ للاجابة عن هذا السؤال استطلعت "المساء" رأي رجال القانون والقضاء. يقول المستشار حسين فاضل رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا بسوهاج: أولاً الدستور الحالي وضع عام 1971 علي يد الرئيس الراحل أنور السادات ووضع كافة السلطات في يد الرئيس يحاسب الجميع دون أن يحاسبه أحد ويتصرف في شئون الحكم كما شاء وهناك 27 مادة تتحدث عن مهام الرئيس وسلطاته ومادة واحدة فقط تتحدث عن محاكمته كما منحه الدستور 6 وظائف أخري بجانب مهمته كرئيس للجمهورية و20 سلطة مطلقة يستخدمها في وجه أي شخص دون رقيب ولا يسع المقام أو الموضوع عن ذكر تلك السلطات فشأن محاكمة الرئيس لم يتحدث الدستور المصري صراحة سوي في مادة واحدة لمحاسبته وهي المادة 85 من الدستور التي تنص صراحة بامكانية اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمي أو بارتكاب جريمة جنائية. بناء علي اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب علي الأقل ولم يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس وبالقراءة السريعة لهذه المادة تعني عدم محاسبة رئيس الجمهورية. ولكن نلاحظ ان المادة الثالثة من الدستور تقرر أن السيادة للشعب وحده فهو مصدر السلطات ويمارس هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية علي الوجه المبين بالدستور ومفاد ذلك ان الشعب إذا رفض استمرار رئيس الجمهورية في منصبه وأسقط عنه شرعيته في الحكم فان شرعية الحاكم تأتي من المحكوم ومن ثم تتم محاكمة رئيس الجمهورية إذا زالت عنه شرعيته كمواطن عادي بموجب قانون العقوبات وبالجرائم التي ارتكبها وتكون محاكمته أمام محكمة عادية وليس محكمة خاصة كما ينص الدستور أن يتحول الي مواطن عادي ويحاكم كفرد من الشعب وليس رئيس جمهورية فاقد لشرعيته والتمسك بمحاكمته طبقاً للدستور أمام محكمة خاصة لا يكون إلا في حالة ارتكابه للجرائم ومازال يعمل كرئيس للدولة أما وكونه سقط الشرعية وفقدها فانه يحاكم محاكمة الاشخاص العاديين ويجب التنبيه ان آليات محاكمة رئيس الجمهورية في الدستور الحالي ضعيفة ويجب تعديل مواد الدستور وعلي أقل تقدير يجب ان يتم عمل قانون خاص لمحاسبته في حالة الاكتفاء بنص المادة 85 من الدستور. وإذا هرب رئيس الجمهورية الي الخارج قبل بدء محاكمته فهذا يجعله صيداً سهلاً للمحاكمات ويمكن ان تصدر مذكرة بتسليمه الي مصر من قبل الانتربول الدولي ولا يحتاج هذا الأمر الي موافقة مجلس الشعب ولكن تصدر مذكرة اتهام من النائب العام ويصدر حكماً غيابياً ويطارد بهذه الأحكام في الخارج وتسقط مع هروبه جميع التحصينات التي تحيط به والحصانات التي يمنحها له الدستور. يقول المستشار أيمن عبد الحكم رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا طوارئ بشبرا الخيمة: من وجهة نظري كقاضي جنائي فان المادة 85 من الدستور هو نص تعجيزي غير قابل للتطبيق علي أرض الواقع لسبق اشتراطه تقديم اقتراح ثلث أعضاء مجلس الشعب علي الأقل لقبول تقديم الاقتراح بالاتهام لرئيس الجمهورية بارتكاب جريمة الخيانة العظمي أو أي جريمة جنائية. كما اشترطت الفقرة الأولي من ذات المادة عدم صدور قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس الشعب وهو شرط مستحيل التطبيق عملاً وإذا تناولنا الفقرة الثانية بشأن محاكمة رئيس الجمهورية بكونها أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها واجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب فقد جاءت هذه الفقرة "هولامية" وعامة بدون تخصيص أي قانون تعني هل القانون الواجب التطبيق لأي جريمة جنائية بشأن اجراءات المحاكمة وهو قانون الاجراءات الجنائية؟ أم بشأن تحديد العقاب وهو قانون العقوبات المصري؟ أو أي قوانين عقابية خاصة منطبقة علي الواقعة وأي تشكيل لتلك المحكمة محل ورود الفقرة؟ فمن ثم فهو نص غير قابل للتطبيق علي الاطلاق ولا يساوي جر المداد والمكتوب به المادة. المادة 85 يقول أحمد علي حسني المحامي بالنقض: إن نص الدستور في المادة 85 أحالت الي قانون آخر ليحدد تشكيل المحكمة التي يحاكم أمامها رئيس الجمهورية خروجاً علي القواعد العادية لاختصاص المحاكم وتشكيلها والاجراءات المتبعة امامها في قانون الاجراءات الجنائية. وكذا سيحدد القانون العقاب الذي تقضي به تلك المحكمة خروجاً علي قواعد قانون العقوبات وحتي الآن لم يصدر مثل هذا القانون بمعني انه طبقاً لوضع القانون الحالي لا توجد محكمة بمحاكمة رئيس الجمهورية. والقول بأن الرئيس المخلوع قد زالت صفته كرئيس للجمهورية بمجرد تنحيه ويحاكم كشخص عادي أمام القضاء العادي محل نظر من عدة أوجه. أولاً: انه يحاكم عن جرائم ارتكبها بصفته رئيساً للجمهورية وأثناء ممارسته لهذه الوظيفة ومستخدماً صلاحياتها وسلطاتها. ثانياً: إن ما ورد بنص المادة 85 من الدستور أولي بالتطبيق لكون الدستور يعلو علي ما عداه من تشريعات. ثالثاً: إن ما ورد بنص المادة 85 من الدستور بشأن محاكمة رئيس الدولة أمام محكمة خاصة لم يصدر بشأنها قانون هو أصلح له كمتهم وفي هذا الشأن نصت المادة 5 من قانون العقوبات هي ان يعاقب علي الجرائم بمقتضي القانون المعمول به وقت ارتكابها بمعني ان تطبق علي المتهم العقوبات المنصوص عليها في القوانين المعمول بها وقت ارتكاب الجريمة وهي هنا العقوبات التي أشارت المادة 85 من الدستور الي صدور قانون بشأنها لم يصدر بعد وطبقاً للمادة 5 من عقوبات فالقواعد الموضوعية التي تجرم الفعل وتقرر له عقوبة تسري علي الأفعال اللاحقة لصدورها ولا تسري علي الماضي إلا أذا كانت أصلح للمتهم وتقضي الدساتير بالنص علي هذه القاعدة فتنص المادة 66 من الدستور المصري علي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ولا تعاقب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.