رؤية نقدية جرجس فوزي .. بين شرخ الثابت ونفي الشائع أنا اكلم نفسي عن خوف ينام في سريري باكيا أو مبتسما كمحارب يخلط بين هزائمه وأوراق اللعب ثم يحصي فارق ضحكاته هذه توهمات ذاتية لجرجس شكري في تجربة ابداعية اكثر من رائعة.. فهو رجل طيب يكلم نفسه فنسمعه جميعا لأننا طيبون مثله "رجل طيب يكلم نفسه" تلك هي أول خاطرة تراءت لي حينما فرغت من ديوانه للمرة الثالثة بعد ما ايقنت انه من جيل لا يستلف قضية ما كي يكتب عنها بل يكتب ذاته في اصدق انفعالاتها عبر سياق ضمان لكل التجارب الاخري في تعميم وشمولية مفرطة في الحساسية التي نتعاطاها جميعا دون دراية بمثالبها في لحظات الوحدة. إنها ذاتية بالغة التعقيد مفرطة في الحساسية والبساطة في آن.. تلك الاشكالية التي يتكيء عليها في معظم قصائد الديوان معلنة الكشف والتعرية في اضعف لحظاتها الانسانية من الصدق والتوحد دون انشطار أو تشيؤ الا فيما ندر. لابد أن نفقد عشيقاتنا ثم نراقبهن وهن يحملن الزهور إلي عشاق آخرين فنحن نحن الي قبلات كنا نصير بعدها مخلوقات من السكر ان قصائد مثل "أشياء فقدت محبتها. أشياء خائفة. حكمة. هي" لها جرأة الكتابة التي تستقي أسلوبها. ومضمونها من كم خبراتها المعرفية ومخزونها الثقافي ووجهة النظر الخاصة التي لا تخاف من عواقب سطوة ضاغطة من صنيع التابوهات لا تؤمن بالمكاشفة والمداخلة ونفي البديهي والتشكيك فيه دون خجل ورفض افكار تقادمت بفعل الزمن. حينما هاجمني الفراغ لأول مرة قبل أن يحبسنا الليل في قمره البعيد دهشنا. صرخنا. ضحكنا دفعنا طائراتنا الورقية الي أعلي بينما شاهدنا ضحكاتنا وهي تحب السقوط يستخدم شاعرنا في معظم قصائد الديوان لغة الشعر ولغة الشارع في تركيبة خاصة معبرا عن الواقع المعيش بكل مراراته ومفرداته الحياتية التي لا تحتاج الي قاموس لكي تصبح رصينة في أدمغة الاوصياء فتأتي المفارقة التي تبعث علي الاندهاش من العادية التي نراها في ملل ورتابة مثل رصد حركة الشارع والناس وأجساد البنات في كل مكان وممارسة لعبة الاستغراق والبحث عن نماذج بشرية هامشية تصنع بطولاتها بنفسها فتسمدها من قيمة الحدث نفسه حيث الذاكرة الحاضرة وقوة التأثير علي أدمغة المخلصين لقصيدة النثر "إلقاء وتلقي". الرب يطلب ان نصلي وقصير يستحق رؤوسنا في اوقات الفراغ علينا أن نحول خدنا للصفعة الأخري ونبتسم أما تجربته في ديوان "عطلة رسمية" فهو يؤكد تفرده في مشروعه الشعري الذي برز في أوائل الألفية الثالثة باحثا عن الحلم المطلق الذي طال انتظاره وكثرت احباطاته لذلك تتجاور الرؤي والمفاهيم في محاولة لكتابة "مختلفة" وليست مكرورة. إن النغمة المائزة في هذه التجربة هي الانحياز الطبقي الي شريحة الفقراء الذين يناضلون بغية مواطنه حقيقية وتنتمي ولا تتخلي لانهم لا يملكون جنسية بديلة. كلما غاب حداد وفتح حانوته وجدوه ممدداً كسيف والي جواره مطرقة تبتسم وبلسان حال الجموع يعلن شاعرنا عن موهبة اصيلة ورؤية ابداعية رائعة واعية لها من القوة والحضور ما يجعله احد المميزين في قصيدة النثر والخروج من معطف الأسلاف وهو الوزن الخليلي عن قصد وحسب قناعاته الخاصة لا يمل من محاولات التجريب. فجأة.. تسلقت كل سنواتي وهبطت خائفاً الشوارع كلاب ضالة بلا أسنان والخوف صارت له يدان وساقان ووجوه سميكة مثل قصائد "حكاية حاسرة الرأس. المطرقة. خجل يمشي وحيدا. تواطؤ" وله في ذلك مصادره المتعددة .منها القراءة في شتي العلوم التي تهتم بالمضمون والفكر الذي يخلق له رؤاه في كتابة القصيدة فيعيد الينا متعة التلقي والبهجة في انتاج النص حسب رؤانا نحن : هي محاولات لانتاج النص مرة ثانية في اصرار شديد علي المغامرة باتجاه الحياة والعالم المفترض. المتخيل دون مواربة أو سطحية. ذات مرة بكيت فلم اجد دموعي وخسرت عيوني الي الأبد حتي حينما يقتنص لحظة من لحظات الفرح المؤجل يعلن عن ذلك في سعادة بالغة ويخلق له مساحة وجود مهمة علي خارطة الابداع بطول وعرض الوطن رغم الاعياء الشديد ونزف الجرح. لذا يظل الرهان بدواخلنا علي مطارحة الحزن الدفين وزيادة المعطي الفني توهجا وخصوصيا فينا تجعلنا ننشغل بالرؤية وتعدد زواياها في تشكيل نسيج النص المغاير عن قصد. هكذا صاغ تجربته ونحن شاهدون علي جرأته لأننا طيبون مثله وأبناء جيل واحد "متشابهون" في الحياة ووجهة النظر للعالم.