- يجهد العديد من كتاب الجيل الجديد للقصة والرواية أنفسهم كثيراً في الحديث عن أفكار جديدة وغير مطروحة لكتاباتهم. وفي أغلب الأحيان تظهر هذه الأفكار مشوشة وغائمة لا يستطيع القاريء أو المتلقي الإمساك بها. وبالتالي يستحيل تواصله معها ومع العمل الأدبي كله. وشيئاً فشيئاً لتكرار حدوث ذلك مع أعمال مماثلة. ينصرف هذا المتلقي عن قراءة تلك الأعمال. وربما عن تعاطي الأدب كله في بعض الأحيان. يحدث ذلك - في رأيي - لسببين: أولهما غرابة وشذوذ الأفكار التي يطرحها هؤلاء الكتاب. فهم بدعوي التجديد والتحديث يميلون إلي "الإلحاد" و"الجنس" و"العبث" وغيرها مما يجعل القراء يتخذون موقفاً رافضاً لها وينصرفون عنها. وثانيهما الطريقة التي يعرضون بها أفكارهم وأطروحاتهم. فهم بدعوي التجديد أيضاً ورفض كل ما هو تقليدي وراسخ في أدبنا المعاصر. يتخذون لكتاباتهم أطراً عبثية لا ترتيب فيها ولا تدرج. ولا اعتناء ببناء نص متماسك. فتبدو أفكارهم خلالها هلامية. غائمة مشوشة. ولا تزيد قراءها بذلك إلا إعراضاً ونفوراً.. ولكتابنا الجدد هؤلاء - إن أرادوا - القدوة والمثل في أعمال وكتابات كبار الأدباء والمبدعين الذين عرفوا كيف يصلون إلي قرائهم ويحتفظون بمتابعتهم لأعمالهم الأدبية. إذ إنهم لم يتكئوا فيها علي أفكار شاذة أو طرائق مبهمة. ولكنهم قدموا ببساطة ويسر الواقع الإنساني. الإنسان بمشاعره وأحاسيسه وانفعالاته المختلفة التي وان كشف الأديب عن بعضها وتناوله الا ان الكثير منها يبقي في دائرة الخفاء. منتظراً محاولات الغير لكشفها واستبيانها والخوض فيها.. ومن هؤلاء الكتاب الرواد. القاص والروائي العربي "غالب هلسا" الذي ولد بالأردن عام 1932 وتوفي عام 1989 في "دمشق" بعد حياة حافلة بالعطاء والابداع الأدبي المتميز. تنقل خلالها في العديد من الدول والبلدان العربية.. لقد اعتمد "غالب هلسا" في كتاباته القصصية والروائية علي الخوض في "الانفعال الإنساني" بالدرجة الأولي. فالإنسان هو محور هذا الكون الواسع ومركز ذلك العالم الكبير. ومن يرد البحث عنهما فليبحث عن الإنسان وانفعالاته المختلفة. فمن خلالها تتحدد هوية المكان والزمان. وكنه الأشياء والحقائق. ولذلك جعل "هلسا" الأحداث الدرامية والأطر الفنية في ابداعاته الأدبية. مجرد مدخل إلي الإنسان و"انفعالاته المختلفة".. ولهذا وصلت كتاباته إلي القارئ العربي بسلاسة ويسر.