بالرغم من ان معظم فرق الموسيقي العربية احتفلت بذكري ميلاد موسيقارالأجيال محمد عبدالوهاب إلا ان احتفال قصر المانسترلي كان مميزاً حيث جمع بين الثقافة والحفل الفني الذي توفرت فيه عناصر النجاح.. وقصر المانسترلي الأثري يقع في نهاية جزيرة الروضة وتم ترميمه في تسعينيات القرن الماضي حيث أصبح يتبع صندوق التنمية الثقافية ويضم المركز الموسيقي الدولي التي يشرف عليه الفنان رمزي يس ويضم أيضا متحف أم كلثوم التي تشرف عليه د. نهلة مطر المؤلفة الموسيقية والاستاذة بكلية التربية الموسيقية والتي استطاعت ان تطور المفهوم المعرفي لهذا المكان وتجعله منارة للثقافة الموسيقية وله جمهوره الخاص الذي يأتي ليشهد محاضراته وصالوناته وأيضاً حفلاته المميزة والتي تقام بالتعاون مع المراكز الثقافية المختلفة.. الاحتفال بذكري عبدالوهاب "13 مارس 1902- 4 مايو 1991" بدأ في صالون متحف أم كلثوم الذي كان ضيفه الباحث والإعلامي محمد الخولي الذي تحدث عن مسيرة عبدالوهاب الفنية ثم كان هناك موعد مع الموهبة الصاعدة في العزف علي آلة العود الفنان تامر فاروق هذا كان النشاط الثقافي الذي يقدم مجانا للجمهور أما النشاط الفني والذي يقام بمقابل مادي فكان بالتعاون مع بيت الغناء العربي الذي تم تأسيسه منذ سنوات قليلة ومقره قصر الامير بشتاك بشارع المعز وكانت نواته الفنية فرقة أساطين الطرب التي أسسها الفنان محسن فاروق والذي هو أيضاً صاحب فكرة هذا البيت والمشرف عليه والذي يضم مدرسة للتدريب علي التراث الغنائي ومتحفا للرواد ومكتبة موسيقية. بيت الغناء وقد شارك بيت الغناء بفرقته الموسيقية ومجموعة كورال الرجال في هذا الحفل الذي أقيم في القاعة الذهبية بالقصر والتي تطل علي النيل وتعد تحفة معمارية جاءت مناسبة لتقديم التراث الغنائي لهذا المبدع العظيم. الحفل قاده المايسترو د. عبدالله ابراهيم وهو عازف التشيللو بالفرقة القومية وأحد تلاميذ المايسترو الراحل حسين جنيد وقد كان ناجحا في اختيار برنامجه وترتيبه حيث أرضي الجماهير ولكن دون الخروج علي أصول وتقاليد التراث بحيث كانت سهرة فنية هادفة وأيضاً ممتعة وساعد علي ذلك انه كان معه كوكبة من العازفين المحترفين. برنامج الحفل انقسم إلي قسمين الأول تم فيه استضافة مجموعة من المطربين نجوم فرق الموسيقي العربية الذين غنوا أغاني منفردة من ألحان محمد عبدالوهاب.. بدأ هذا الغناء الفردي بالمطربة رحاب مطاوع التي شدت بأغاني فايزة أحمد "ست الحبايب" و"حمال الأسية" التي جاءت تناسب صوتها بعكس مرات سابقة وغنت داليا فؤاد أغاني وردة "لولا الملامة" ولنجاة "آه لو تعرف" وتفوقت مني درويش في أغنية ليلي مراد "ماليش أمل" ثم كانت سمية وجدي نجمة فرقة الاسكندرية وتلميذة جورج بشري غنت "ساكن قصادي" بصوت يحمل نسيج صوت نجاة وبتدريب جيد أعاد اكتشاف هذه الأغنية كلمات حسين السيد والتي تمثل تطور في تاريخ الأغنية الدرامية.. واختتم هذا الفاصل الفنان الشاب وليد حيدر بمجموعة متميزة من ألحان الموسيقار الراحل. صوت متميز الفاصل الثاني من الحفل أحياه محسن فاروق والذي يعد من أقدر الأصوات علي الساحة الفنية الآن والذي نجح في ان يقدم تحديا بالالحان التي اختارها وترتيب أدائها مما يؤكد حرفيته العالية واخلاصه للتراث محسن يتميز بصوت جميل مليء بالاحساس قادر علي التلوين يؤدي الطبقات العالية والمنخفضة بسهولة ويسر تدريبه الجيد وحفظه للتراث يجعله يتحكم في مساحة الصوت ويؤدي اللحن بأمانة وعندما تتاح له الفرصة يعيد اكتشاف جمال اللحن ويعمل أيضاً علي اظهار امكانياته الصوتية وهذا التقييم لم يتكون لدي من خلال هذا الحفل فقط وانما من سماعي لمحسن في عدة حفلات وبأدائه لألحان آخرين منهم السنباطي وفي هذا الحفل تجلت كل هذه الصفات الايجابية لنجد الاحساس والنفس الطويل في أغنية "من قد ايه كنا هنا" كلمات مأمون الشناوي والاداء السريع والجمل الموسيقية القصيرة في أغنية "علي ايه بتلوموني" ثم يأتي استعراض الامكانيات الصوتية للمطرب في أغنيات "أشكي لمين الهوي" و"كل ده كان ليه" التي يأخذنا من خلالها في رحلة من المقامات المختلفة. ايجابيات هذا الحفل تجلت كما سبق ان ذكرت في الحفاظ علي الأصول والتقاليد وايضا الحفاظ علي التراث الموسيقي والغناغئي فكانت بداية الحفل مع المقطوعة الموسيقية "افتتاحية فانتازيا نهاوند" وبداية الفاصل الثاني مع أداء منفرد لأغنية "فكروني" علي كمان العازف القدير محمد نصر اما الختام فكان مع صيغة الدور حيث أدي محسن فاروق ومجموعة كورس الرجال دور عبدالوهاب الشهير "عشقت روحك" ليكون خير ختام لهذه الليلة الساحرة.