فرصة غيابه عن البيت لأتحدث إليك فأنا أم رزقها الله بأربعة أولاد ولم يعطها البنات لكن من رحمته بي أن أبنائي الذكور أصحاب قلوب رقيقة حانية جعلتهم يحيطونني وأباهم بكل العطف والحب والتقدير.. أبنائي شبوا علي روح المرح والفكاهة.. فالأب مقبل علي الحياة يتفنن في ادخال البسمة علي كل من حوله في البيت.. في العمل فهو صاحب نكتة عاشق للضحك . في هذا الجو المفعم بالود استطاع أولادي مواصلة مشوارهم التعليمي حتي تخرج ثلاثة منهم في الجامعة والتحقوا بالوظائف المناسبة سواء في مصر أو خارجها.. أما شقيقهم الأصغر والمدلل في نفس الوقت.. أليس آخر العنقود؟ فقد أخذ من طباع والده المرحة.. وطباعه الجادة أيضا التي لا تخلو من إصرار وعناد أحيانا حتي ولو علي حساب صحته ونفسه.. فمنذ عام تبدلت ظروف البيت رأساً علي عقب وسبحان مغير الأحوال.. ليس بسبب العملية الكبري التي خضعت لها لاستئصال أحد الأورام.. أو بسبب "السكر" الذي خصم من صحة زوجي الكثير إنما نتيجة لما أصاب أصغر أبنائي طالب الجامعة المحب للصحبة والمقبل علي الحياة. كانت الصحبة هي وراء المأساة التي يتجرع مرارتها ولدي الحبيب الآن.. فقد أشار عليه "صديق" بانقاص وزنه فتحمس للفكرة ورغم أنه لم يمتثل لها أكثر من أسبوع والله أسبوع واحد بامتناعه عن تناول كل ألوان الطعام باستثناء المشويات دخل في حالة إمساك مزمن لمدة 20 يوماً وهنا جاءت نصيحة الطبيب بإعطائه بعض المُلينات وبمجرد أن حصل علي أول جرعة منها حتي دخل في محنة أخري لم يبرأ منها بعد.. صارت معدته ترفض أي شيء يتناوله حتي لو شربة ماء. .. وبمزيد من الفحوصات والتحاليل تبين أنه يعاني ميكروباً في المعدة وأوصي المعالجون بقائمة من الأدوية لم تفلح في إيقاف القئ المستمر.. وبعد.. وبعد أن كان ابني يستهدف انقاص وزنه عشرة كيلو جرامات ظل وزنه يتراجع من 90 إلي 50 كيلو جراماً"!!".. تصوري فقد كل هذا الوزن في أقل من عام وسجلت الشهور الأخيرة المعدل الأكبر ما دعاني لاستغيث بأخيه الذي يعمل بالكويت فأرسل إليّ دعوة للحضور بكافة تقاريره وعرضها علي خبير سويسري متخصص في حالته.. فلم أكذب خبراً وسافرت له بكل الأوراق بعدما رفض ابني المريض مصاحبتي إلي هناك. طالع الخبير السويسري الأوراق وأخبرني أن طوق نجاة ولدي في جراحة عاجلة وأن ما يعاني منه.. رغم أنه قابل للاحتواء والسيطرة أشد من السرطان ولابد من حضوره الكويت لاتمام الجراحة قبل أن يدخل في انتكاسة أخري يصعب معها أية جراحات خاصة إذا تعرض للنزف.. عدت إلي مصر أسابق عقارب الساعة لأدعو ولدي إلي السفر لكنه أصر علي الرفض. لم تمض فترة قصيرة حتي وقع ما حذر منه الخبير بحدوث النزف ليتم استبعاد فكرة السفر نهائياً.. وليبقي الأمل في أطباء الداخل هؤلاء الذين أوصوا بضرورة عمل منظار علي وجه السرعة لتحديد مكان النزف هل من المعدة أم الأمعاء؟.. وهو ما رفضه أيضا ابني العنيد دون أن يرأف بحالي وأبيه ونحن نراه يذبل أمامنا ولا نملك له شيئا! وقد تسألينني: وكيف يواصل حياته بلا طعام.. ومع النزيف المستمر..؟ أين الأهل والأصدقاء لاقناعه بضرورة عمل المنظار؟.. ولن تصدقيني لو أخبرتك بأنه لا يزال يذهب إلي الجامعة رغم الإعياء الشديد.. لا يزال يتبادل الضحكات والنكات مع زملائه يعيش علي بعض الحلوي التي يحاول امتصاصها وليس بلعها ثم سرعان ما يفقد القدرة علي الاستمرار فيرفضها فمه قبل وصولها للمعدة!! في نهاية مكالمتي لا أريد منك ومن قرائك سوي أن تدعوا لابني أن يفقد الوعي ويدخل في إغماءة فهي الحالة الوحيدة التي نستطيع فيها الذهاب به إلي المستشفي لإجراء المنظار وإنقاذ حياته ولا تتعجبي من مطلبي.. فهذا الدعاء الغريب والاضطراري هو ما دفعني إليه ولدي الحبيب العنيد حينما قال لي: "عندما أغيب عن الوعي فقط انقلوني إلي المستشفي.. أما وأنني مازلت أسير علي قدمي فلا.. وألف لا"!! أرجوكم لا تبخلوا علي ابني بالدعاء عسي أن يكتب الله له الشفاء العاجل ليعود كما عرفناه الابن الذي يضحك ويعرف ربه.. الابن الذي لم يعد يتوقف عن الغناء حتي يخفف عني وعن أبيه وأشقائه لوعتنا عليه!!. الأم الصابرة ص.م القاهرة û المحررة غابت الضحكة.. وسكن الحزن قلبك علي ما أصاب فلذة كبدك نتيجة امتثاله لنصيحة صديق وما أكثر هذا النوع من النصائح في تلك الأيام بين أصدقاء هذا الجيل سعياً وراء الجسم الدقيق.. الرشيق؟.. وما أقبحها عادة نسير فيها جميعاً حين نمضي دون وعي في تطبيق وصفة علاج دون استشارة طبيب!! كان ولدك الحبيب شفاه الله من بين هؤلاء المجربين لوصفات الآخرين بصرف النظر عن المدة التي استغرقها.. أسبوعاً.. أو شهوراً المهم دفع جانباً كبيراً من صحته تحت موضة الريجيم اللعين الذي أخذه إلي هوة الاحباط واليأس نتيجة استبصاره الشديد بحقيقة ما يعاني منه وهذا ما أكد عليه د.بدر عباس أستاذ المخ والأعصاب والطب النفسي في حديثي معه عن كيفية الخروج بابنك من دائرة الرفض والدخول به إلي دائرة القبول للعلاج.. فهو يري أن ابنك مصاب بما يسمي ب "كرب ما بعد الصدمة" أو ال PTSD وهي من الحالات التي يباشر علاجها بالأدوية المضادة للالتهابات.. وأدوية الأرق. وعلي ضوء كلام الطب النفسي أري أن الوقت مازال في يدك أيتها الأم الصابرة وبإمكانك تحديد موعد مع أحد أطباء الطب النفسي للقيام بزيارة منزلية لنجلك اليائس عسي أن يضع أمامك والأسرة خريطة قبول ولدكم الغالي لفكرة الذهاب إلي المستشفي دون الحاجة للدعاء الاضطراري أو انتظار الأسوأ بفقده الوعي والإغماء. أيضا أنصحك بألا تيأسي ووالده وأشقاؤه وأن تظلوا علي إلحاحكم وتحفيزكم له بشتي السبل بإجراء المنظار فمن المؤكد أن الله لن يضيع جهدكم حتي تقر أعينكم وتأخذوا بأيديه إلي طريق العافية والشفاء.