ما الذي يجعل المواطنين يلجأون إلي كتابة شكاوي بدون توقيع إلي الجهات الأعلي أو كبار المسئولين أو الجهات الرقابية أو غير الرقابية؟! لو كانوا مطمئنين إلي أن شكاواهم سوف يتم بحثها بعدالة وحيادية لما لجأوا إلي كتابة الشكاوي المجهولة.. ولو كانوا يأمنون علي أنفسهم ومصدر رزقهم وعدم البطش بهم لما لجأوا لهذا الأسلوب أو ما نسميه الشكاوي الكيدية. ولكن الذي يحدث في بلادنا عكس ذلك تماماً.. فعندما يشكو مواطن ما سواء أكان موظفاً أو غير موظف إلي جهة عليا في الدولة تجد أن شكواه ارتدت إلي نحره.. بمعني أن الشكوي يعاد إرسالها إلي الشخص المشكو في حقه فيكون هو القاضي والجلاد في نفس الوقت.. وبالتالي ينحي من نفسه صفة القاضي جانباً ويصبح هو الجلاد فقط فينكل بالشاكي و"يطلَّع روحه وروح أهله كمان"!!! الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رجل فاضل ويبدو أنه رجل مثالي أيضاً فيفترض أن كل إنسان يشعر بالظلم أو أي إنسان في موقع ما ويري خطأ أو فساداً مثلاً ويكتب شكوي بما يشعر به من ظلم رئيسه أو ما يراه من تصرفات غير سوية لكبار المسئولين أو صغار المسئولين ستأخذ مجراها الصحيح وستحال إلي جهة تحقيق محايدة وتصدر فيها قرارها الصحيح بما ينصف الشاكي أو يعالج المشكلة التي أثارها.. ولكن ذلك لا يتم. يا دكتور صفوت.. بلدنا مليئة ببؤر الفساد.. وأنت نفسك شاهد علي ذلك.. وما تنشره الصحف هو أقل القليل.. لأن ما لا يكتشف من تصرفات فاسدة أضعاف أضعاف ما يتم اكتشافه. وكم من مواطنين مخلصين رأوا بأم أعينهم فساداً علنياً ووقحاً وأبلغوا عن ذلك فكان جزاؤهم التنكيل والتشريد وأصبح الشاكي يندم علي ما أقدم عليه ظناً منه أنه سوف يصلح المعوج فإذا به يلوم نفسه ولسان حاله يقول: و"أنا مالي؟! إيه الله حشرني في اللي بما ليش فيه؟!". يا دكتور صفوت.. لو أن كبار المسئولين وصغارهم اتسموا ما نسميه "الشفافية"- بتاعة الدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية- لما امتلأت صفحات الصحف علي اختلاف توجهاتها بهذا الكم من شكاوي المواطنين.. ولما كان نشرها عبثاً لأنه لا أحد يقرأ وإذا قرأ لا يهتم!! يا دكتور صفوت.. كنا زمان نعاني من الروتين فقط.. الآن نعاني من روتين أغلظ ومن فساد وقح.. والخاسر أولاً وأخيراً هو الوطن والمواطن. أما حكاية إرسال الشكوي إلي أكثر من جهة.. فالمواطن نيته حسنة لأنه يقول في نفسه إذا لم تتحرك هذه الجهة فربما تتحرك الجهة الأخري.. وأقول نيته حسنة لأن هذه الجهة لا تتحرك ولا تلك. أنا معك.. إنه توجد بعض الشكاوي الكيدية.. فبعض ذوي النفوس المريضة هوايتهم كتابة هذه الشكاوي.. ولكن ما هي نسبتهم إلي الشكاوي الحقيقية؟! إنها نسبة لا تذكر. البلد الذي تكثر فيه شكاوي المواطنين.. بلد فيه شيء غلط.