منذ فترة أقمت معرضاً لمجموعة من لوحاتي في فن التصوير الضوئي "الفوتوغرافي" كان من بينها صور مكبرة للوحات بعض الفنانين الرواد موجودة بمتحف الفن المصري الحديث تقترب مساحتها من مساحة اللوحات الأصلية. كان هدفي من عرض هذه المستنسخات الفوتوغرافية مزدوجاً.. الأول هو تعريف جمهور المعارض بروائع الفنانين السابقين الذين لا يتاح مشاهدة أعمالهم بسبب وضعها في المخازن.. الهدف الثاني هو إفساد "ما أتصوره" خطة لاخفاء أعمال الفنانين السابقين بإدخالها المخازن واغلاق متحف الفن الحديث حتي لا تري الأجيال الجديدة غير لوحات الفنانين الموظفين في وزارة الثقافة المصرية وهؤلاء يتمتع غالبيتهم بمواهب فنية محدودة وتفرضهم علي الحركة الفنية مناصبهم الوظيفية. لكن عرض هذه المستنسخات أثار في نفس الوقت قضية تتعلق بحقوق نشر صورة العمل الفني: 1 هل هي للمصور الفوتوغرافي الذي قدم كل كفاءته الفنية في تقديم نسخة أمينة مماثلة للأصل الذي قام بتصويره؟ ومعروف أن التصوير الفوتوغرافي "فن" يشبه من بعض الوجوه فنون الطباعة الفنية "الجرافيك" فهو نوع من الاستنساخ الفني تسري عليه حقوق مماثلة لحقوق فن الرسم وفن التمثال. 2 أم أن الحقوق هي لمالك العمل الفني. سواء كان لايزال في حوزة مبدع العمل الفني؟ أم ورثته؟ أم المتحف الذي يعرضه؟ أم صاحب المجموعة الخاصة الذي يقتني هذا العمل؟. 3 أم هي للفنان الذي أبدع العمل الأصلي. حتي إذا لم يكن هذا العمل في حوزته؟ ولكن العائد المادي الحقيقي "لمصور الفن" يتحقق من خلال "نشر" الصورة الفوتوغرافية مطبوعة. سواء في صحيفة أو مجلة أو كتاب أو موسوعة أو علي تقويم العام الجديد أو في بطاقات أو مستنسخات زهيدة الثمن.. وغير ذلك من المطبوعات. ومن بين أهداف معرضي السابق الدعوة لطبع كتاب فاخر بالألوان لروائع متحف الفن المصري الحديث. ولهذا يعتبر النشر أهم نشاط يحقق للمصور الفوتوغرافي الفنان سبيل الاحتراف والتفرغ التام لفنه. ونحن نقرأ في الصحف ونسمع في الأخبار عن المبالغ الطائلة التي حصل عليها مصور فوتوغرافي عن حقوق نشر الصور التي التقطها خلسة لواحدة من نجوم المجتمع الأوروبي أو لموقع ساخن من مواقع الأحداث.. وإن كانت هذه الأخبار تتعلق بالمصورين الصحفيين. لكن علينا أن نعرف أيضا ان مبالغ مماثلة يتقاضاها الفنان الفوتوغرافي الذي ينشر صور الأعمال الفنية في كتب الفنانين الملونة الفاخرة الطباعة. ثم الكتب التي تصدر عن فن التصوير الفوتوغرافي.. فاحتراف المصور الفوتوغرافي الفنان وارد في البلاد المتقدمة اعتماداً علي العائد الذي يحققه نتيجة حقوق نشر الصور التي يبدع في تصويرها. ومن بين هؤلاء الفوتوغرافيين فئة "مصوري الفن Art photographers".. ومن ناحية أخري يتضمن نشر صورة العمل الفني نوعاً من "الإعلان" عن العمل الأصلي.. ودعوة صريحة إلي مشاهدة الأصل الذي ترتفع قيمته المادية كلما زاد الجمهور الذي يقبل علي مشاهدته. ولا يستطيع أحد أن ينكر حقيقة أن متحف القاهرة للآثار المصرية القديمة يزوره المئات يومياً. وأن هذا الواقع الحالي من بين أهم أسبابه: ملايين الصور للآثار الفرعونية وآلاف الكتب والموسوعات ومئات المعارض بكتالوجاتها ودعايتها. التي تطبع وتوزع وتقام ابتداء من كتاب "وصف مصر" منذ مائتي عام حتي اليوم. والأمثلة كثيرة ومتعددة وبلا حصر للتدليل علي أن صورة العمل الفني المنشورة هي دعاية "ثقافية". ولأنها ثقافية فهي دعاية غير مدفوعة. وبلغة الاقتصاد فإن الأموال التي أنفقت في هذه الدعاية هي استثمار ثقافي. يؤدي إلي الاقبال العالمي علي مشاهدة أصول صور الأعمال المنشورة. وهذا يحقق دخلاً للمتاحف. هو العائد الاستثماري لما أنفق علي مدي السنوات السابقة في النشر و"الإعلان". ومن ناحية أخري ترتفع قيمة ما يعرض من هذه السلعة الثقافية للبيع. مما يصل في بعض الحالات إلي 400 ضعف القيمة التي دفعت في شراء العمل الفني الأصلي.