وعادت الأضواء مرة أخري إلي تمثال نهضة مصر في موقعه أمام جامعة القاهرة الذي نقل إليه في عام 1956 عندما قررت ثورة 23 يوليو نقله من ميدان باب الحديد لكي يوضع بدلاً من تمثال رمسيس الثاني.. وتمثال نهضة مصر .. كما قال الكاتب الكبير مصطفي أمين في كتابه "من واحد لعشرة" إن ثورة 1919 ألهمت المثال محمود مختار الذي كان يدرس النحت في باريس أن يصنع تمثالاً عبارة عن فلاحة مصرية تقف بجوار أبوالهول صنعه من الطين ووضعه في متحف جريفين وعندما زار ويصا واصف عضو الوفد هذا المتحف أثناء تواجد سعد باشا زغلول وأعضاء الوفد في باريس .. شاهد التمثال وأعجب به وذهب إلي سعد باشا ودعاه لمشاهدة التمثال الذي أظهر الفلاحة المصرية "تعبيراً عن مصر" وتوقظ أبوالهول الذي يرمز إلي الشعب المصري الصامد" .. وقال سعد إن هذا التمثال يجب أن يوضع في أكبر ميدان بالقاهرة ورد مختار : الحكومة التي عينها الإنجليز لن توافق علي أن تقيم تمثالاً يُعبر عن ثورة الشعب ضد الانجليز وقال سعد باشا هذا التمثال يمثل ثورتنا أنه يربط مجد هذا الشعب اليوم بمجده القديم.. ورد مختار لكي يقام هذا التمثال يجب أن يحول من طين إلي حجر وتخصص له الحكومة ميداناً ليقام فيه .. أما تحويله إلي حجر فإنه سيتكلف عدة آلاف من الجنيهات .. وبالتأكيد الحكومة لن تدفع مليماً واحداً من أجل تمثال نهضة مصر.. وسكت سعد باشا قليلاً ثم قال الشعب سيدفع ثمن هذا التمثال وسأوجه من باريس نداء إلي الشعب أطلب منه أن يتبرع لإقامته.. وعندما عرض سعد باشا الفكرة علي أعضاء الوفد .. قالوا إن الدين الإسلامي ضد إقامة الأصنام وما تمثال مختار إلا صنم.. وقد ينتهز السلطان الفرصة فيوعز رجال الدين ليعلنوا أن دعوة المسلمين لإقامة تمثال .. كفر وكل من يدفع لإقامته هو كافر وزنديق ورد سعد في هذه الحالة سنقول إنه تمثال يعبر عن صورة شعب استيقظ .. ولماذا تمت الموافقة علي إقامة تمثال محمد علي باشا في الإسكندرية وتمثال إبراهيم باشا في القاهرة وكلاهما أصنام..! المهم أن الشعب استجاب لدعوة سعد باشا وتم صنع التمثال في عام 1920 ولكنه بقي مسجوناً في أحد المخازن وكان الانجليز معترضين علي اقامته.. ثم قرر مجلس النواب تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في سر تعطيل العمل في اقامة التمثال. ولم يزح الستار عن هذا التمثال إلا بعد وفاة سعد باشا. وهكذا كان تمثال نهضة مصر الذي تم تصميمه وتصنيعه كرمز لصمود الشعب المصري وبطولاته في ثورة 1919 وظل هذا التمثال قابعاً في موقعه أمام جامعة القاهرة .. يمر الناس عليه ولا يتحرك .. إلي أن تذكرت موقعة بعض الجماعات الإسلامية فقررت أن تتخذ من موقع التمثال مكاناً للتجمع حيث ينطلقون في مظاهرات تعبر عن آرائهم في الأحوال المصرية العامة. هذه حكاية تمثال ولدت فكرته في باريس ودفع الشعب ثمن اقامته.