في عام 1999 نال العمال في المكسيك آخر عقوبة رسمية علي الراحة خلال فترة القيلولة. وحتي ذلك الحين كان من الأمور العادية بالنسبة للكتبة والموظفين الحصول علي ساعتين أو ثلاث ساعات راحة في منتصف يوم العمل. وكان العديد منهم يذهبون إلي منازلهم لتناول الغداء أو للحصول علي اغفاءة وقت القيلولة. ثم يعودون إلي مكاتبهم للعمل في المساء لتعويض الوقت الذي ضيعوه. كانت راحلة القيلولة شائعة في الدول الناطقة بالأسبانية. لكن هذا التقليد بدأ في الانحسار مع نمو اقتصاديات دول أمريكا اللاتينية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ومع عمليات التحديث. تبنت الحكومات والشركات علي حد سواء مواعيد العمل المطبقة لدي نظيراتها في الدول الأخري. ولم تنجح المكسيك في توقع آثار ذلك علي استهلاك الطاقة. عند ترحيل مواعيد العمل من فترة قيظ ما بعد الظهيرة إلي ساعات المساء الأقل حرارة. كانت فترة القيلولة في الواقع بمثابة نوع من تكييف الهواء. علي حد قول اليزابيث شوف استاذ علم الاجتماع بجامعة لانكستر البريطانية. أما الغاء فترة القيلولة فيجعل الناس أكثر اعتماداً علي وسائل تبريد أكثر استهلاكاً للطاقة. خلال ساعات النهار الأكثر سخونة. وقد تزايد استعمال أجهزة التكييف بالمكسيك بمعدلات عالية بعد حظر الراحة في فترة القيلولة. وفي عام 1995 كان 10 بالمائة من منازل المكسيك بها أجهزة تكييف. ولكن بحلول عام 2011 ارتفعت هذه النسبة لتصل إلي 80 بالمائة. وتقوم شوف بدراسة العوامل الثقافية والتاريخية التي تشكل أساساً للعيش المستدام. وبحسب قولها. فقد طورت المجتمعات وسائل وسلوكيات للتعامل مع المناخ المحلي تحولت إلي عادات ثقافية أصيلة. وبينما يصبح العالم أكثر اتصالاً وتشابكاً مع بعضه البعض. فقد أصبحت هذه العادات عرضة للتغير وكذلك تغير تعريف بعض الأشياء الأساسية مثل الشعور بالراحة. هذا الطرح صحيح إلي حد كبير. فلا يوجد تعريف عالمي للإحساس بالارتياح. خصوصاً عندما يتعلق الأمر بدرجة الحرارة. وقد أظهرت دراسات استمرت علي مدي 20 عاماً أن الإحساس بالحرارة يختلف من شخص لآخر. وأبدي أشخاص مختلفون ارتياحهم لدرجات حرارة تفاوتت من 6 درجات مئوية وحتي 30 درجة مئوية. وكما يقول العلماء. فإن مايراه الناس مريحاً هو ما اعتادوا عليه. ويتضح ذلك عندما تجري الدراسات علي مجتمعات مختلفة جنباً إلي جنب. وفي ورقة بحثية حول مقارنة المعايير الثقافية لاستهلاك الطاقة بين كل مدينتي أوسلو بالنرويج ووفوكوكا اليابانية. وكلتا المدينتين متشابهتان من حيث عدد السكان ومستوي التطور الصناعي. والقدرة علي الإنفاق ومتوسط حجم المنازل. لكن جنوباليابان أكثر دفئاً من جنوب النرويج. والثقافة اليابانية تختلف كثيراً عن الثقافة النرويجية. تبين أن النرويجيين يركزون اهتمامهم علي مايسمونه الراحة ولكنها تلك التي تحمل معني اجتماعياً فأحد جوانب هذه الراحة يتمثل في جعل منزلك مكاناً يرغب الآخرون في زيارته وقضاء الوقت في داخله بحيث لا يشعر أحد أن منزلك تتغشاه البرودة. وتبين أن حوالي نصف المنازل لم تخفض درجة التدفئة قبل النوم. وأن حوالي 30 بالمائة رفعت هذه الدرجة حتي في حالة عدم وجود أحد بالمنزل. أما في فوكوكا. حيث الشتاء يكون معتدلاً نسبياً مقارنة بالنرويج. فلا يوجد مانع ثقافي من دخول الغرف الباردة. والحقيقة. أن البيوت في جنوباليابان لا يوجد بها عادة نظام مركزي للتدفئة. علي الاطلاق. وفي الليالي شديدة البرودة. تتجمع الأسر علي سجاد ساخن أو حول منضدة مجهزة بسخان. وتوفير الراحة الاجتماعية يشمل أيضاً جودة الاضاءة. ويقول النرويجيون إن أضواء السقف تبدو باردة وفي العادة لا يستخدمها أحد في غرفة المعيشة وبدلاً من ذلك نجد لديهم ترابيزات مضيئة ولمبات أرضية تحاكي بحيرات ذهبية صغيرة من الضوء عبر الغرفة. وفي المتوسط يوجد داخل غرف المعيشة بالعاصمة النرويجية أوسلو أكثر من 9 لمبات إضاءة. في الوقت نفسه نجد مدينة فوكوكا اليابانية بها لمبات من الفلورسنت منخفضة استهلاك الطاقة بمتوسط لمبتين ونصف مثبتة في سقف الغرفة هناك يفضل الناس وضوح الرؤية. كما أن لون ضوء الفلورسنت لا يؤثر علي درجة الحرارة اطلاقاً. وقد لاحظ العلماء أن مفهوم الراحة يختلف باختلاف الحضارات. فحتي في عام 1996 كان الناس في فوكوكا يشترون المزيد من أجهزة التدفئة الأمر الذي يسمح لأي فرد في الأسرة بأن يشعر بالدفء حتي لو كان بمفرده. وكانوا يشترون أجهزة تكييف الهواء. وهو أمر لم يكن معتاداً. حتي في مدينة تعاني من فصول صيف حارة. وعلي الرغم من أن كثيراً من اليابانيين يرون أن أجهزة التكييف غير صحية وغير ممتعة. فقد بدأوا يتوقعون وجودها في أي منزل عصري فخم. كناتج ثانوي لظاهرة العولمة. حسبما يري العلماء. وإضافة إلي الإسهام في نشر استعمال أجهزة تكييف الهواء. فقد أسهمت العولمة في نشر كود للمباني ابتدعته الجمعية الأمريكية لمهندسي التسخين والتبريد وتكييف الهواء وهذا الكود يحدد درجة الحرارة المثلي للمباني الكبري. وهو الذي تسبب في ارتفاع حرارة المناخ حول الكرة الأرضية وكان قد تم وضعه منذ ستينيات القرن الماضي لتوفير الراحة لفئة محددة من العاملين وهم الذين يتطلب عملهم ارتداء الملابس الرسمية كاملة. مثل البدلة ورابطة العنق. وإذا نظرنا إلي موظفي المكاتب في الدول ذات الجو الحار فسوف نجد أن الثوب أو الجلباب يمكن أن يكون رداءً مناسباً للعمل ولكن مع ظهور أجهزة التكييف فمن الممكن أن يبدأوا في الظهور بملابس مختلفة. تجعلهم أقل إحساساً بالراحة خارج المكاتب وكذلك في المنزل. وهذا قد يدفعهم للبحث عن مكيفات الهواء. ذلك أيضاً يؤثر علي السيدات فالمتوقع أنهن في الربيع يرتدين ملابس خفيفة وأحذية بها فتحات. لكن حرارة المبني يجري تكييفها لتلائم الرجال الذين يفترض أنهم يرتدون قمصاناً طويلة الأكمام وأحذية مغلقة طوال العام. وإذا ما قام كل فرد بارتداء ما يتلاءم مع حالة الجو فلن نحتاج كثيراً إلي تبريد المبني أو تدفئته. نحن نبحث عن الراحة ولكن قد يكون الثمن باهظاً ويفوق كثيراً مانحصل عليه!! أفكار مضغوطة قال الشاعر: إذا نطق السفيه فلا تجبه .. فخير من اجابته السكوت