لو أن كل مواطن ذهب إلي أي إدارة حكومية ليقضي طلباً له ورفض الموظف المسئول تلبية هذا الطلب فقرر المواطن الانتحار بحرق نفسه أمام مجلس الشعب لشهدنا كل يوم بل كل ساعة ودقيقة عشرات أو مئات المواطنين الذين يشعلون النيران في أنفسهم احتجاجاً علي رفض طلباتهم. دعونا نقل إن هذه محاولات فجة للفت الأنظار هدفها كسب تعاطف المواطنين وإعطاء مادة خصبة للصحف وأجهزة الإعلام للحديث عنها وإظهارها علي أنها قضية رأي عام.. والإيحاء بأن أمثال هؤلاء المواطنين مقهورون رغم أنهم مقهورون فعلاً. ولو أن كل مواطن عاطل عن العمل وبحث طويلاً عن فرصة فلم يحصلها فقرر الانتحار شنقاً أو غرقاً أو غير ذلك لشهدنا كل يوم عشرات المنتحرين.. لتصول الصحف وأجهزة الإعلام وتجول كسباً للقراء وتجييشاً للرأي العام. ظاهرة الانتحار أو محاولة الانتحار عجزاً عن مواجهة أي مشكلة موجودة في كل المجتمعات منذ أزمان بعيدة.. ولكنها لم تكن تلفت الانتباه بالقدر الذي حدث من المواطن الباحث عن عدة أرغفة من الخبز وأشعل النار في نفسه أمام مجلس الشعب. وإذا سألنا عن السبب لعرفنا أن ما حدث من حالات مماثلة في كل من الجزائر وتونس كان مصدراً لتغذية حادث مجلس الشعب بالإثارة والطنطنة التي انعكست في أجهزة إعلامنا فأبرزتها بصورة مبالغي فيها مع أن الحادث لم يكن يعدو خبراً علي عمود أو عمودين علي الأكثر في أية صحيفة وخبراً مقتضباً في الفضائيات. قد يقول البعض إنني أحاول التهوين من المشاكل التي يعاني منها المواطنون علي كثرتها.. ولكني أرد بأن هذا غير صحيح.. فأنا أكثر من يكتب عن هذه المشاكل ومطالباً بحلها ولكني ضد افتعال المواقف المستوردة وانتهازها لعمل "شو إعلامي". كل مواطن في مصر في حياته أكثر من مشكلة. وهي مشكلات حادة وحادة جداً.. والمسئولون لا يحاولون حل هذه المشكلات بل أحياناً يتعمدون التعقيد الأمر الذي يشحن النفوس بالغضب والتذمر.. لكننا شعب متدين نؤمن بتكريم الله لبني آدم ولا يصح لمن كرمه الله واعطاه الحياة أن يفرط في حياته يأساً بطريقة لا يرضاها الخالق وهي قتل النفس. علينا أن نحاول الإصلاح بكل الأساليب بالشكوي إلي من يهمهم الأمر. وإرسال هذه الشكاوي إلي المسئولين مباشرة أو إلي الصحف ووسائل الإعلام لنشرها.. وإذا لم يتم الاستجابة لنا فلنشكو إلي الله عز وجل فلاشك أن الله سيقتص للمظلوم ولو بعد حين.