لا أعتقد ان عرض فيلم "القاهرة 30" صباح أمس السبت علي قناة "ام بي سي مصر" مجرد مصادفة ولو كان كذلك إذن "رب صدفة خير من ألف ميعاد". هذه المصادفة أجلستني أتابع الفيلم في الصباح مع فنجان القهوة قبل النظر في أي أخبار.. الأخبار هذه الأيام كارثية الإفلات منها مستحيل توجع القلب والضمير وتؤجج المشاعر.. ولا وقت للأفلام في هذا الوقت ومع ذلك لم أقو علي تحويل القناة جرف الفيلم إلي مونولوج طويل.. احسان شحاتة "سعاد حسني" فتاة مصرية القلب والقالب والطلعة عفة. حالمة. تحلم بالحرية وبمصر جديدة تؤمن بأفكار علي طه "عبدالعزيز ميكوي" الشاب المستنير الوطني الذي يقاتل ضد الاستبداد والفقر والاستعمار والتبعية ويواجه التنكيل والاضطهاد. وإحسان فريسة زمن فاسد وأسرة طحنها الفقر ومجتمع منافق يرزخ تحت سطوة رجال نخر سوس الفساد عظامهم. "رجال يلحسون أقدام الوزير والوزير يلحس أقدام الملك والملك يلحس أقدام الانجليز"! احسان يشتريها قاسم بك المسئول النافذ ويحولها إلي عشيقة مقابل المال ويبعها الأب والأم بقلب بارد من أجل الخبز لأولاد صغار يتضورون جوعا ويتزوجها محجوب عبدالدايم "حمدي أحمد" ويرضي أن يكون مجرد ساتر يداري علي جريمة قاسم بك مقابل وظيفة وزواج وشقة وحياة بلا كرامة. بلا رجولة. بلا نخوة. بلا ضمير. العشيق والزوج يتناوبان علي احسان ينهشان جسدها وروح احسان مازالت تتوق للحرية. تحلم بتحقيق أحلام علي طه وتحرير اشقائها الصغار من نفس المصير. مظاهرات الشباب لإسقاط الملك والانجليز وتطالب بالعودة إلي دستور 1923 تملأ الشوارع وتخلف قتلي وكذلك المنشورات في كل مكان. ذلك كان زمن الاستعمار.. والملكية الفاسدة ابان الثلاثينيات من القرن العشرين والفيلم أخرجه صلاح أبوسيف عن رواية لنجيب محفوظ كرم الله روح الاثنين ورحمهما رحمة واسعة. عرض الفيلم في عام ..1966 أي بعد ثورة 1952 المباركة وحلم الحرية والعيش والكرامة الانسانية يفترض انه تحقق في زمن عبدالناصر. أتساءل وأنا مستغرقة في تأمل الفيلم أين احسان الآن؟ وماذا كان مصير سعاد حسني أيقونة السينما المصرية الجديدة التي بشرت بقاهرة أخري ومصر مختلفة؟ رحلت احسان الصورة واغتيلت سعاد حسني الأصل اغتالها قاسم بك آخر بعد أنهك روحها وبدد أحلامها. اغتيلت في قاهرة التسعينيات وما بعد الألفية الثالثة ومازالت تغتال وتسحل في المظاهرات وأثناء بحثها عن الخبز والحرية والكرامة الانسانية.. ومازال محجوب عبدالدايم حاضرا بالآلاف في زمن ما بعد الثورة ثورة 1952 وثورة اسموها التصحيح وابان أزمنة الزعماء الوطنيين الذين توافدوا علي الحكم وحتي زمن ما بعد ثورة مصرية شعبية خالصة قامت في 25 يناير .2011 ماذا يجري الآن في مصر؟ في القاهرة والسويس والاسماعيلية وبورسعيد والمحلة والزقازيق والاسكندرية والعريش.. الخ. صحيح ان احسان لم تعد واحدة بل مئات الآلاف لسن مكسورات وانما متظاهرات من أجل الخبز والحرية والكرامة الانسانية وصحيح انهن يخرجن إلي جانب المظاهرات في جنازات لتوديع أبنائهن إلي مثواهم الأخير الذين قتلوا برصاص في المخ والقلب والصدر. وصحيح ان علي طه وأمثاله مازالوا يقاتلون من أجل الحلم نفسه.. والقاهرة مازالت تعاني وتنزف وتحترق. أما محجوب عبدالدايم فهو مثل "أم أربعة وأربعين" مخلوق سام. انتهازي. يرتدي بالذات موديلات مختلفة حاضر أبدا كطرف ثالث وفي الصفوف الأولي والثانية.. الخ. وعبدالدايم الأب ازداد وعيا وصلابة وان ظل يتألم بقوة انه قليل الحيلة أحيانا. الأمواج الرجعية العاتية أقوي من قدرته علي التصدي حتي اشعار آخر. المظاهرات ممتدة من الثلاثينيات وحتي بعد انتهاء العشرة الأولي من سنوات الألفية الثالثة!! ولم تعد بالآلاف وانما ملايين.. وقاسم بك مازال يتنفس ويشتهي السلطة والحريم حتي وان ارتدي قناعا آخر. هل استرسل أم أحول القناة السعودية لمعرفة أخبار مصر اليوم؟؟