أثار الخبر الذي نشرته "المساء" أمس عن رفض المهندس محمد شعبان رشوة قدرها 100 ألف جنيه من رجال زكريا عزمي لادخال 4 آلاف طن قمح فاسد للبلاد ردود فعل كبيرة. علي المستوي الشعبي والرسمي أيضا والذي تمثل في صرف مكافأة له من وزير التنمية المحلية ومحافظ الإسكندرية بقيمة ألف جنيه. وسلمه الشيكين المهندس احمد الحديدي وكيل وزارة الزراعة. الذي كان له أيضا دور كبير في التخطيط لكشف واقعة الرشوة. "المساء" أجرت حوارا مع المهندس محمد شعبان مدير إدارة الانتاج الحيواني بمديرية زراعة الاسكندرية. والذي حكي لنا التفاصيل الكاملة عن صفقة القمح المسرطن. ومحاولات الضغط عليه بتقديم رشوة مالية كبيرة. مقابل ان يحرر محضراً وهمياً يتضمن اعدام الصفقة. لتقديمه للنيابة العامة. ** ألم تراودك نفسك ولو للحظات القبول الرشوة؟ لم أفكر في هذا مطلقا. فالحرام لاينفع أحداً. وأحمد الله أن انعم عليَّ بالإيمان. وبالسعي للرزق الحلال ولو كان قليلا. فهو الذي حدده لي الله. وقد أكرمني الله بزوجة صالحة وثلاثة أبناء محمد خالد ومحمود وهما مهندسا كمبيوتر وأختهما زهراء ليسانس آداب. وأعتبرهم ثروتي الحقيقية. وقد علمتهم علي القناعة والرضا بما يقسمه الله لهم. ** ماهي حكاية هذه الصفقة؟ بعد ورود قرار نيابة العامرية أول بشأن اعدام القمح المتحفظ عليه علي ذمة القضية رقم 36682 لسنة 2008 جنح العامرية والمقيدة برقم 3004 لسنة 2009 جنح مستأنف غرب. والذي صدر في نوفمبر الماضي.. قرر المهندس احمد الحديدي وكيل وزارة الزراعة بناء علي قرار النيابة ان اكون رئيساً للجنة اعدام صفقة القمح الفاسد وفي عضويتها مفتشو التموين والزراعة منذ توليت رئاسة اللجنة تعرضت لمحاولات رخيصة لابتزازي. لكن لم اهتم بها لانني اعمل من أجل رضا الله. وهو لايضيع أجر من أحسن عملا. ** هل كانت لديك خلفية عن هذه الصفقة؟ في البداية لم تكن لديَّ أي خلفيات عنها أو عن أصحابها. لكن أصبحت ملما بالتفاصيل بعد رئاستي للجنة اعدامها. وكانت عبارة عن 4 آلاف طن قمح فاسد مسرطن للإنسان والحيوان. وكانت موضوعة تحت حراسة الشرطة لخطورتها منذ عام 2008 في مخازن شركة الصوامع. وكانت مستوردة لحساب شركة العتال وهو الواجهة لزكريا عزمي المحبوس حاليا . ** ومتي بدأت المساومات معك واغراؤك بالرشوة؟ منذ بدأنا في اعدام أول كمية من القمح المسرطن وقدرها 125 طنا. وكان هذا في نوفمبر الماضي بناء علي قرار النيابة العامة.. بعدها فوجئت بحضور تاجر أعلاف من العامرية ومعه مقاول سيارات نقل ثقيل رفض ذكر اسميهما للقائي بمكتبي بعد ساعات العمل الرسمية. وعرضا عليَّ رشوة قيمتها 100 ألف جنيه مقابل تسليمهما الكمية المتبقية. وأن اقوم بتحرير محضر وهمي لتقديمه للنيابة. بأنه تم اعدامها. ** ماذا كان رد فعلك؟ رفضت بشدة. واكدت لهما انني لن أفعل ذلك وأنا موظف صغير. ولم ارتكب ما يغضب الله في حياتي. فكيف يريدان مني ارتكاب تلك الفاحشة. وأنا ابلغ 58 عاما. فقالا لي : الفلوس مهمة في الحياة. ويمكنك اختتام حياتك العملية بشراء سيارة أو شقة تمليك. أو تزويج أحد أبنائي. أضاف : قمت بالرد عليهم بغضب شديد. وقلت لهما ان الله هو مقسم الارزاق. فتغيرت طريقة كلامهما وانفعلا وقاما بتهديدي بالقتل. واكدا أنهما سوف يحصلان عليها بأي طريقة. ** ماذا كان موقفك؟ شعرت بالخوف لدقائق لحظة تهديدهما لي بالقتل. خاصة وأنني أمام رجال صاحب شركة هو في الاساس واجهة لزكريا عزمي ومازالت شوكتهم قوية. ولا أستطيع مواجهتهم بمفردي. وتظاهرت بالتفكير للحظات أمامهما وقلت لهما اعطوني فرصة. وسوف أرد عليكما. ** وكيف سارت الأمور بعد ذلك؟ بمجرد خروجهما من مكتبي اسرعت إلي المهندس أحمد الحديدي وكيل وزارة الزراعة وشرحت له مادار في مكتبي بالتفصيل. فاصطحبني في الحال إلي هيئة الرقابة الادارية. وطلبوا مني أن اسايرهما. وافتح معهما حواراً ونفذت ذلك واتفقت معهما علي الحضور لمكتبي في الثالثة والنصف عصرا. بعد أن تم تأمينه وتهيئته لتسجيل ما يدور به بالصوت والصورة. ** هل جاءا في الموعد المحدد؟ عندما حل موعد اللقاء اتصلا بي وابلغاني اننا سنلتقي في شارع 45 بالعصافرة. وانهما لن يحضرا إلي مكتبي. وهددتهما بالغاء الاتفاق. فرضخا وابلغاني بأنهما سوف يحضران لي في المكتب. وفي أقل من ثلث ساعة وجدتهما أمامي مما يؤكد أنهما كان يتحدثان من مكان بالقرب من مبني مديرية الزراعة لكنهما رفضا دخول المكتب وطلبا ان اتوجه معهما إلي شارع 45 بالعصافرة. فحصلت علي اشارة من الجهات الرقابية بالتحرك معهما. وركبت معهما في سيارتهما وكنت قلقا. تابع قائلا : فوجئت بهما يغيران خط سيرهما إلي العامرية. وعندما سألتهما عن سبب تغيير المكان قالا أنهما ذبحا "خروفً" ويريدان أن يكون هناك "عيش وملح" بيننا فأخبرتهما بأنني صائم وسوف أفطر مع أسرتي وهممت بالنزول من السيارة في موقف محرم بك. فطلبا مني الهدوء. وعادا إلي خط السير الأول.. إلي شارع 45 ثم مرا علي الطريق الدولي وكان أفراد الجهاز الرقابي يطمئنوني من خلال المحمول علي أساس أن ابنائي هم الذين يتحدثون معي. أضاف : فجأة وجدت أحدهما يقود السيارة بسرعة جنونية وحاولت تعطيلهما لاطمئن ان افراد الجهاز الرقابي يسيرون خلفنا وعندما وجدت بائع خروب طلبت النزول لشراء كيس منه لافطر به. ثم أخذاني إلي شارع 30 وجلسنا علي أحد المقاهي. ** ماهو الحوار الذي دار بينكم علي المقهي؟ سألتهما عن ثلاثة أشياء مهمة وهي : قيمة المبلغ. وكيفية استلامه منهما؟ والكيفية التي سوف يتسلمون بها كمية القمح المسرطن. فقالا لي لاتنسي أن هناك انفلاتاًً أمنياً. وانه لن يشعر بهم أحد. فطلبت منهم المستندات التي يمكن أن أقدمها علي أنها محضر لاعدام الكمية المتبقية من القمح. وفوجئت بوجود المحضر جاهز معهما. أضاف : استمرينا حتي السابعة والنصف مساء علي المقهي وقالا لي انني سوف أحصل علي 50 ألف جنيه بموجب شيك علي أن أحصل علي 50 ألف جنيه أخري بموجب شيك أيضا بعد استلامهما لكمية القمح المسرطن. ** كيف سارت الأمور بعد ذلك؟ بعد تحركنا بالسيارة فوجئنا بحملة رقابية وتم ايقاف السيارة وتفتشيهما. ووجدوا معهما شيكاً بمبلغ 50 ألف جنيه. وتم القاء القبض عليهما. ** هل كانت اسرتك علي علم بهذه الأحداث؟ لم أخبر أي أحد منهم إلا بعد ان تم القبض علي المتمهين. ووجدت الفرحة في عيونهم عندما علموا انني رفضت رشوة قيمتها 100 ألف جنيه.. ونصيحتي لأي موظف ان يرضي ضميره. ولايخشي أحدا غير الله. وان يسعي دائما إلي الرزق الحلال.