إذا لم تكن قد سرت في شوارع وسط البلد خلال الأشهر الأخيرة. فربما تشك في أن المدينة التي تطالعك تختلف عن مصر المحروسة.. والتسمية بالمناسبة تقتصر علي عاصمة البلاد. فهي في الموروث الشعبي محروسة بآل البيت. الذين توجد بها أضرحتهم ومقاماتهم. قد يتساءل القادم إلي القاهرة عند وصوله إلي ميدان محطة رمسيس : إن كان في مدينة أخري غير المدينة التي قدم إليها. مشاهد الأفلام القديمة جسدت إعجاب الشاب الريفي بما رآه في المدينة الجميلة. أو التي كانت كذلك. الأضواء والبنايات العالية. واللافتات الملونة. والشوارع الواسعة. الهادئة. وحركة المرور المنسابة. قبل أن تطرأ عليها مشكلات الزحام. كانت غواية ذلك كله دافعاً لأن يفك إسماعيل يس كيسه. ويشتري ميدان العتبة!! أنت في سوق تعاني الفوضي. باعة افترشوا وسط الطريق. وعلقوا بضائعهم علي الأسوار التي أقامتها المحافظة لمنع القفز إلي نهر الطريق. معظم مساحة الميدان مواقف لسيارات الأجرة. بما يجعل انتظام حركة المواصلات أمنية مستحيلة. دعك من ميدان التحرير. فالصور التي لابد أنك تراها علي شاشات التليفزيون تنبئك بالمتاعب التي يعيشها أجمل ميادين العاصمة. ظني أنك تذكر شارع طلعت حرب. الذي تجد فيه وسائل الإعلام صورة لعراقة القاهرة الخديوية. لقد فرض منطق أسواق القري نفسه عليه من خلال الباعة الجائلين.. لم يتركوا منفذاً حتي للسائرين علي أقدامهم. فضلاً عن تزاحم السيارات. حين يمتد بك السير إلي شارع 26 يوليو. ما بين مستشفي الولادة وكوبري أبوالعلا. فستفاجأ بأن ما تراه هو استنساخ لوكالة البلح الموازية للشارع. بالطبع فإن الصورة تتكرر في معظم شوارع وسط البلد. ثمة رأي أن الشرطة تنتظر حتي تنتهي الخناقة. ثم تتدخل. تبدل الحال في الآونة الأخيرة. فغابت الشرطة إلا قليلاً عن شوارع العاصمة. اعتدنا في فترات متباعدة حملات من شرطة المرافق. تخلي الميادين والشوارع من مظاهر الفوضي. ولأن الباعة الجائلين يعرفون قواعد اللعبة. فإنهم ينتظرون ارتخاء شدة الغربال!! أخشي أن الفوضي التي تعيشها العاصمة تجاوزت فكرة الأسواق المجمعة التي يبدو أنها ماتت إكلينيكياً. وربما تفاقم المشهد بحيث تتحول القاهرة إلي مدينة مستحيلة. لا تقتصر علي زحام السيارات. وإنما يداخلها زحام الباعة الجائلين ومئات الأطنان من بضائع الصين ومنتجات بير السلم.. واللي ما يشتري يتفرج!!