لا يخدعنك من يقول إن رفض الدستور في استفتاء اليوم يعني رفض الشريعة.. وأن اختيار "لا" يقود صاحبه إلي النار.. أما اختيار "نعم" فإنه يعني أنك قد ضمنت الجنة. ولا يخدعنك من يقول إن رفض الدستور يعني الاستقرار والأمن وعدم انقسام المصريين.. وأن "نعم" تعني أنك مع الدولة الدينية ضد حقوق المرأة ومجانية التعليم واستقلال القضاء. أصارحك القول بأن الشعب المصري معذور جدا جدا هذه الأيام.. فحجم الصخب والضوضاء الذي يحيط به فوق احتمال البشر.. ناهيك عن حجم الأكاذيب والدعايات السوداء.. ولا شك في أن الألسنة الحداد التي تتحدث بها النخبة المتناطحة ليل نهار لا تترك له فرصة للتفكر والتدبر والتقاط الأنفاس. مليونيات أمام مليونيات.. ومؤتمرات صحفية ضد مؤتمرات صحفية.. وتصريحات وبيانات في مواجهة تصريحات وبيانات مضادة.. ومن أفلت من هذا كله لن يفلت أبداً من برامج "التوك شو" التي صارت تشبه السيرك المنصوب كل ليلة علي شاشات الفضائيات يدخله المشاهدون للفرجة علي الإثارة وألاعيب الأكروبات ثم يخرجون منه وهم أكثر غماً وأشد حيرة. معذور هذا الشعب المنكوب في نخبة فاسدة.. لا تري إلا نفسها.. وتظن أنها الأكثر حكمة والأجدر بمواقع التأثير والتوجيه فقط لأنها اعتادت أن تكون دائما تحت الأضواء وفي مواجهة الكاميرات والميكروفونات. الحقيقة الوحيدة وسط هذا الصخب اللامتناهي هي أنت أيها الشعب العظيم.. أنت الذي امتلكت زمام أمرك بفضل ثورتك الرائعة.. أنت الذي فككت قيدك وصرت حراً.. صاحب إرادة تمليها علي الحكام وعلي النخبة ولا يملي أحد إرادته عليك. لم يمنحك الرئيس هذه الحرية.. ولم يمنحك معارضو الرئيس أيضا هذه الحرية.. لم يتنازل لك عنها حزب ولا جماعة ولا جبهة ولا تحالف ولا ائتلاف.. وإنما اقتنصتها أنت اقتناصاً في لحظة تاريخية نادرة بعد سنوات طوال من النضال والتضحيات. أنت حر أيها الشعب العظيم.. حر في تفكيرك.. حر في اختيارك.. حر في انحيازك.. فلا تترك أحداً يفكر لك.. ولا تترك أحداً يختار نيابة عنك ويستلب عقلك ويغيب وعيك. الدستور الذي يجري الاستفتاء عليه اليوم في المرحلة الأولي والسبت القادم في المرحلة الثانية ليس قرآناً كريماً يحيط بكل شيء ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. وإنما هو عمل بشري.. فيه صواب وفيه خطأ وفيه نقصان عن الكمال.. فالكمال لله وحده.. والمطلوب منك ومني ومن الناس أجمعين أن نقرأ ونفحص وندقق في المواد التي تثار حولها الشبهات علي أقل تقدير.. وأن نفكر فيها بعقولنا لا بعقول الآخرين الذين صاروا يتذاكون علينا ويكذبون من أجل مصالحهم. حينما يتعالي الصخب من حولنا.. وتتعالي الهتافات والهتافات المضادة.. وتختلط الأوراق.. وتتقزم القامات والهامات.. علينا أن نعتصم بعقولنا.. ولا نسمح لأحد بأن يمارس علينا الشعوذة والدجل ولعب الثلاث ورقات. أنت حر أيها الشعب العظيم.. نحن جميعا أحرار.. من أراد أن يقول "نعم" فليقلها دون خوف.. ومن أراد أن يقول "لا" فليقلها دون خوف. الحرية لا تعرف الخوف والترويع وتسخيف آراء الآخرين.. والديمقراطية لا تعرف قهر الناس علي أن يقولوا "نعم" أو أن يقولوا "لا". ثم إن التعدد والتنوع واختلاف الرؤي هو القيمة الحقيقية للحرية والديمقراطية.. ويجب علينا جميعا احترام إرادة الشعب إذا جاءت نتيجة الاستفتاء ب "نعم" أو إذا جاءت ب"لا".. فليس هناك أوصياء علي الشعب.. هو صاحب الكلمة والإرادة.. وهو الذي يحدد اتجاه مسيرته. الدساتير لا تغير الشعوب.. بالعكس الشعوب هي التي تصنع الدساتير وتغيرها وفق إرادتها.. القضية هي كيف نمارس إرادتنا بشكل منظم لا يسقط بنا إلي الفوضي.. ولا يأخذنا إلي الهاوية.. فنتحول من شعب حر يبني ديمقراطيته الناشئة إلي شعب فاشل.. غير قادر علي أن يمارس السياسة وفق قواعد الديمقراطية الصحيحة. الديمقراطية تقضي بأن نذهب إلي صناديق الاستفتاء لندلي برأينا.. نقول "نعم" أو "لا" بإرادتنا الحرة.. دون صراع أو إرهاب أو عنف.. ولا نسمح لأدعياء الفتنة بأن يجرونا إلي العنف والحرب الأهلية. والديمقراطية تقضي بأن نحترم جميعا نتيجة الاستفتاء ونتحمل مسئوليتها.. فالحرية تعني المسئولية دون وصاية من أحد.. أما الصراخ بأن الاستفتاء باطل من قبل أن يبدأ.. وأن الدستور باطل حتي لو أقره الشعب.. وأن شعب الأمية والزيت والسكر لا يستحق أن يقول "نعم" أو "لا" فهذا ما لا يقبله عاقل.. أو يرضي به حر يدعي أنه ديمقراطي أو ليبرالي أو إسلامي. الشعب الحر يصنع مستقبله ويضع دستوره بنفسه ومن لا يقبل بكلمة الشعب سيلفظه الشعب أيا كان اسمه أو رسمه. إشارات * من المستشار زكريا عبدالعزيز إلي قضاة مصر الشرفاء: "لا تستمعوا لصوت الفتنة ممن زج بكم في آتون الصراع السياسي.. كونوا مع الشعب الذي وضع ثقته فيكم ولا تخذلوا الأمة.. لا تخونوا أنفسكم ولا تخونوا أماناتكم.. ولا تخونوا شعب مصر. * الاعتصامات الموجودة في مصر حالياً سياسية وحزبية وتعبر عن استقواء فئوي.. يستوي في ذلك اعتصام ميدان التحرير واعتصام المحكمة الدستورية واعتصام مدينة الإنتاج الإعلامي واعتصام الاتحادية.. الاعتصام الشعبي الوحيد الذي عرفته مصر كان من 28 يناير حتي 11 فبراير 2011 لأنه كان اعتصام الجميع. * ليس القوي بالصرعة.. لكن القوي من يملك نفسه وسط الصراع السياسي الحاد.. ويعلي المصلحة الوطنية علي المصلحة الخاصة والانحياز الحزبي المقيت.. ولا يدع الكراهية تتمكن من قلبه. * "ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي" صدق الله العظيم.