الشهامة الاسكندراني يذكرها التاريخ بكافة فصوله وتناولتها السينما المصرية في العديد من الأعمال الدرامية. فلا ينسي أحد فيلم "رصيف نمرة خمسة" أو "حميدو" أو "أبوالحديد" والتي ترصد رجولة وجدعنة أبناء الاسكندرية. والطريف ان هناك أسماء رموز للجدعنة والشهامة بالاسكندرية سواء من الثلاثينيات حتي الوقت القريب البعض يطلق عليهم "الفتوة" في عصره. والبعض الآخر مع تقدم الوقت أصبح بمثابة الأكثر سيطرة علي منطقته وتتولي الشرطة اللجوء إليه لتحديد مثلاً المتهمين في إحدي قضايا الكبري لاسترداد سيارة مسروقة أو جريمة قتل ويتم اللجوء إليه أيضاً لاحتواء الأزمات والمشاجرات وجلسات الصلح فلا أحد بالاسكندرية ينسي اسماعيل سيد أحمد فتوة محرم بك في الثلاثينيات والأربعينيات وكان يهرب السلاح في سيارة والده لدعم المقاومة الفلسطينية وقد قام بايواء الرئيس السادات في فيلته بمحرك بك عقب حادث اغتيال أمين عثمان وظل السادات يتذكره حتي عندما أصبح رئيساً للجمهورية. أما فتوة الاسكندرية "النونو" فقد تلقي خطاب شكر لدوره البطولي في الحرب العربية الاسرائيلية وفتوة الأنفوشي الشهير "حميدو" واسمه استخدم في العديد من الأفلام وذلك لكونه "حميدو" حصل علي لقب "الفارس" من الخديو عباس حلمي عندما شاهده ضرب الرجال بالرأس فيسقطون بلا حراك فأطلق عليه "حميدو الفارس" وكان يتميز بالكرامة وعزة النفس ثم تأتي بعدها مرحلة "أبوحمد" فتوة "مينا البصل" والملقب "بالهرم الرابع" و"حدقة" فتوة كرموز و"نبيل البواب" فتوة القباري و"فرج الأسود" ابن حبري أو "فهد المسجون" وهو المسئول عن النظام بين المساجين السابقين حتي لا يثيروا الشغب. ومع زمن أصبحنا نتحدث فيه عن الشهامة والجدعنة كانت شيئاً نادراً نجد ان بالاسكندرية مواقف وأشخاصاً يظهرون فجأة ويختفون أيضاً لعل علي رأسهم "الشيخ قدري" إمام مسجد بمنطقة الجمرك قاد حملة ضارية ضد المحافظ السابق أسامة الفولي دفاعاً عن أهل المنطقة الذين أغرقت مياه الصرف الصحي منازلهم فجمع الفقير والغني حوله للدفاع عن كلمة الحق وشهامة الشيخ قدري جعلته يعتصم مع أبناء "البطارية" الذين انهارت منازلهم وذلك لتوفير شقق بديلة ومع عودة الهدوء والأمان لأبناء منطقته عاد لمسجده ليكون رمزاً للشهامة الاسكندراني. ويقول محمد الكوراني رئيس جمعية الامام علي بن أبي طالب- زمن الفتوات بشهامتهم لم ينته وكل منطقة أو شارع لابد وان يكون له كبير ليس بالقوة ربما بالسن أو قوة "رأس المال" أو الاحترام وكثيراً ما نشارك كأبناء منطقة اللبان في حل أزمات طاحنة من مشاجرات فتعقد جلسات للصلح ونتفق علي الدية ان لزم الأمر وحل أزمات مالية للأسر أو حتي مساعدة رجال الشرطة من إحباط عمليات إجرامية. أما الحاج بلبل هاشم رئيس شعبة الخضر والفاكهة بالغرفة التجارية فيقول كثيراً ما تناولت الأفلام السينمائية وكالة الخضر والفاكهة وأحداثها المتعددة لكون الوكالة بمثابة مجتمع منفصل وبالفعل داخل الوكالة يوجد الكبار الذين لهم احترامهم ويتدخلون لحل الأزمات بين التجار وتظهر وحدة وشهامة التجار حين حدوث أزمة أو حالة وفاة. بل ونحن نقوم بتشكيل لجان للصلح بين المتشاجرين وحل أزماتهم مع الشرطة بمنطقة الحضرة والمناطق الأخري حتي بالمحافظات التي يستعينون أحيانا بنا في جلسات للصلح واحتواء الأزمات. ويقول طارق محمود "محام" ما أكثر الحوادث التي أصبحنا نشاهدنا الآن وراءها الشهامة ولعل آخرها ما شهدته الاسكندرية خلال الاسبوع الماضي عندما لقي اثنان في مشاجرتين تدخلا فيهما لمناصرة "سيدة" كانت تتعرض لمعاكسات مؤسفة. أضاف لقد أصبح للاسكندرية شأن آخر وعادت ظاهرة "الفتوات" المدافعين عن الشهامة والرجولة مرة أخري ولعل ظهورهم جاء أثناء الثورة مع ظهور اللجان الشعبية وقدرتها علي تحقيق الأمن وفرض الزمان أمام منازلهم وأصبح من السهل الان اللجوء إلي مجالس عرفية معروفة بكل منطقة "كبار" سواء كانوا تجاراً أو حرفيين أو محامين أو غيرهم حسب طبيعة المنطقة وهؤلاء هم رمز للشهامة المتأصلة ولاتزال مناطق الجمرك والسيالة وبحري بها رجال يتم اللجوء إليهم لتحقيق العدل المفقود فتجدهم يهبون لنجدتك دون مقابل دفاعاً عن الحق. وبوجه عموم الشهامة الاسكندراني اذا ما أردت الشعور بها في وقت عزت فيه الشهامة يمكن ان تتابعها فيما يقوم به الأهالي من البسطاء دفاعاً عن رجال الشرطة العاملين بالمرور من جنود وأمناء شرطة أو حتي ضباط عندما يقوم شخص غير مسئول بمنعهم من أداء عملهم والاعتداء علي أحدهم فتجد الجميع يهب لمساندتهم والقبض علي المتهم بل وحتي مطاردته في بعض الأحيان والتبرع بالشهادة. والشهامة الاسكندراني يلمع نجمها بقوة في المناطق الشعبية أكثر من المناطق الراقية التي يمكن ان تصرخ فيها دون مغيث ولعل الجميع لا يغفل المعركة التي شهدتها الاسكندرية الشهر الماضي بين منطقة كرموز واحدي المناطق القريبة منها بسبب معاكسة فتاة لينتفض رجال مؤيدون واخرون مدافعون عن مرتكبي الإثم لتنتهي المسألة بالاعتذار والتصالح بعد سقوط العديد من المصابين دفاعاً عن الشرف حتي ولو كان لسيدة مجهولة وبالطبع لا نستطيع ان نغفل ان هناك سلبيات خطفت الصورة من الشهامة والشرف ولكن هذا لا يطغي علي المعدن الأصيل لأبناء الاسكندرية فلم تسمع طوال أيام الثورة والأيام التي تلتها أو حتي هذه الأيام عن وجود حالة تحرش واحدة بفتاة في الاسكندرية أو تعرض المتظاهرين بل علي العكس تلاحظ الشهامة الاسكندراني في حماية السيدات والفتيات علي حد سواء لحين فض أي تجمع. وفي الأيام الصعبة أو مع انتشار حالة البطالة أو البلطجة تظهر سلبيات كثيرة لكنك تفاجأ علي النحو الآخر بظهور الشهامة والرجولة والخير من حيث لا يحتسب الانسان سواء كان ذلك خلال أيام شهر رمضان أو العيد أو من خلال الجمعيات الأهلية. وتبقي الاسكندرية مثالاً للجدعنة المؤرخة سينمائياً أو من خلال كتب وقصص كبار الكتاب.