في شهر نوفمبر ..1918 وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولي.. تطلع المصريون إلي الحصول علي استقلالهم وإلغاء الحماية التي كانت مفروضة عليهم من بريطانيا سنة ..1914 ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان. إذ أعلن حسين رشدي باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت مشروع "قانون نظامي" قدمه له المستشار المالي لدار الحماية البريطانية سير برونيت ويهدف إلي النزول بمصر إلي مرتبة المستعمرات البريطانية.. ويقضي ذلك بأن يُنشأ مجلس نواب مصري أعضاؤه من المصريين ولكنه مجلس استشاري فقط وليس له أي سلطة وإنشاء مجلس شيوخ من المصريين والأجانب وله وحده السلطة التشريعية.. وما كاد هذا الخبر يذاع حتي عم البلاد سخط وتذمر.. وهاجمه حسين رشدي هجوما شديدا.. بل ووجدها فرصة لتقديم استقالته في 2 ديسمير سنة 1918 المهم تجمعت عدة أسباب لغليان الشعب المصري.. ووجد ان الانجليز يريدون تأكيد وترسيخ الحماية وعدم منح مصر أي استقلال ومع شهر مارس 1919 كما يروي عبدالرحمن الرافعي في كتابه عن ثور 19 كان الأفق السياسي ينذر بعاصفة شديدة وزادت هذه العاصفة عندما قامت سلطات الاحتلال عصر يوم السبت 8 مارس باعتقال سعد زغلول ومحمد محمود باشا وإسماعيل صدقي باشا وحمد الباسل باشا وساقتهم إلي ثكنات قصر النيل "كورنيش النيل حاليا ومبني الجامعة العربية" وفي اليوم التالي 9 مارس تم نقلهم إلي بورسعيد ثم أبحروا إلي جزيرة مالطة التي كان فيها منفاهم. وفي نفس هذا اليوم اندلعت شرارة الثورة بإضراب وتظاهر الطلاب وطافت المظاهرات أنحاء القاهرة وفي كل حي كان ينضم الكثيرون من أبناء الشعب وحدث ما حدث من اشتباكات مع رجال البوليس.. وسقط أعداد من الجرحي والقتلي برصاص الجنود البريطانيين.. واستمرت الثورة في الاشتعال فأضرب عمال الترام وسائقي الحمير والعربات الكارو والحنطور.. ومركبات الأوتوبيس التي كانت محدودة.. وتوقفت جميع وسائل النقل.. وانضم إلي المتظاهرين والمضربين عن العمل الموظفون.. فتعطلت مصالح الناس.. وأضرب المحامون وامتنعوا عن الذهاب إلي المحاكم.. وطلبوا نقل أسمائهم من جدول المشتغلين إلي جدول غير المشتغلين.. وأغلق المحامون الشرعيون المحاكم وامتنع القضاة الشرعيين عن نظر الدعاوي لم يكن هذا فقط بل عم الاضراب كل أنحاء مصر وسجل الأطباء احتجاجهم وأرسلوا هذه الاحتجاجات إلي السلطان والحكومة ودار الحماية.. وأبرقوا بها إلي كل وكالات الأنباء العالمية وفيها فضحوا تصرفات الانجليز واستخدامهم رصاص "محرم" لضرب المتظاهرين.. وحدث ما حدث من اشتباكات بين الانجليز والمصريين وسقط جرحي وقتلي كثيرون ليس في القاهرة وحدها بل في معظم البلاد المصرية.. وهكذا اجتمع كل المصريين رجال وشباب ونساء وأطفال الكل هبوا ضد الانجليز.. هكذا كانت ثورة ..19 كان الهدف منها إلغاء الحماية وحصول مصر علي الاستقلال.. لم ينقسم الشعب المصري.. بل كان الكل يد واحدة..