رغم اختلافي مع النظام السياسي في الدولة الأموية لكنني من أشد المعجبين به وبإدارة حكمه في تسيير شئون البلاد.. كان معاوية بن أبي سفيان بارعاً في السياسة وله قولته المشهورة "لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت إذا شدوا أرخيت".. كان داهية من دواهي العرب ضليعاً في اللغة ونحن لا نزايد عليه لأنه من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وقد شهدت دولة بني أمية فتوحات إسلامية هي الأعظم والأقوي في التاريخ الإسلامي.. اختار معاوية بعض الأشاوس الأقوياء في إدارة حكمه لضبط العمل واختار الشعراء والخطباء الذين يسوقون لأفكاره وهؤلاء يقومون مقام الفضائيات والصحف في العصر الحالي.. فإذا أراد أي رئيس ملك زمام الأمور اختار لنفسه مستشارين أقوياء وإعلاميين أفذاذاً . وعندما تولي معاوية خطب بالمدينة سنة 41ه قائلاً: "أما بعد فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم. ولا مسرة بولايتي ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة".. كما ضرب مثلاً في الحرية والقول قائلاً: "والله لا أحمل السيف علي من لا سيف له وإن لم يكن إلا ما يستشفي به القائل بلسانه فقد جعلت له ذلك دبر أذني وتحت قدمي".. وأختتم خطبته بقوله: "إياكم والفتنة فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة".. اختار معاوية زياد ابن أبيه سنة 45ه ليحكم البصرة وكان من الأشاوس الأشداء وخطب خطبته البتراء حيث قال "قربتم القرابة. وباعدتم الدين.. تعتذرون بغير العذر وتغطون علي المختلس" وقال "حرام عليّ الطعام والشراب حتي أسويها بالأرض هدماً وإحراقاً" إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله. لين في غير ضعف وشدة في غير جبروت وقسوة.. وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولي والمقيم بالظاعن والمقبل بالمدبر والصحيح منكم بالسقيم حتي يلقي الرجل منكم أخاه فيقول انج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم في قناتكم وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة فمن غرّق قوماً غرقناه ومن حرّق علي قوم حرقناه ومن نقب بيتاً نقبنا عن قلبه ومن نبش قبراً دفناه فيه حياً.. ثم اختتم: خطبته وقال: اعلموا اني مهما قصرت عنه فإني لا أقصر عن ثلاث لست محجتاً علي طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقاً بليل ولا حابساً رزقاً ولا عطاء عن إبانه ولا مجمراً لكم بعثاً.. وايم الله ان لي فيكم لصرعي كثيرة فليحذر كل امريء ان يكون من صرعاي.. ثم جاءت الدولة المروانية وولي عبدالملك بن مروان الحجاج علي العراق سنة 75ه فلما دخل الكوفة خطب خطبته الشهيرة .. دخل المسجد متعمماً بعمامته غطي بها أكثر وجهه وقد تقلد سيفه وتنكب قوسه وصعد المنبر وصمت زمناً لا يتكلم فلما رأي عيون الناس شاخصة إليه وأيقن انه هاج فضولهم وأثار دهشتهم.. كشف الغطاء عن وجهه وقال: "أنا ابن جلا وطلاع الثنايا.. متي أضع العمامة تعرفوني.. ثم قال: يا أهل الكوفة إني لأري رءوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها وكأني أنظر إلي الدماء بين العمائم واللحي.. والله لأحزمنكم حزم السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل.. وإني والله ما أقول إلا وفيت ولا أهم إلا أمضيت ولا أفلق إلا قربت.. ثم قال بالكوفة أيضاً: إني أنذر ثم لا أنظر وأحذر ثم لا أعذر وأتوعد ثم لا أعفو. هذا هو نموذج الدولة الأموية التي اغتصبت الحكم اغتصاباً عن غير رغبة الأمة والجماعة.. نعم كانت في ذلك الوقت معارضة قوية وحروب عدة وخوارج ودماء ولكن قوة بني أمية وحدت الأمة وصارت أكبر دولة فاتحة وناشرة للدين الإسلامي من شرقه وغربه.. وأنا أسوق تلك الخطابات فنحن الآن كمصريين انتخبنا د. محمد مرسي رئيساً لنا ويجب علينا السمع والطاعة فيما لا يغضب الله أو اعتداء علي حريتنا فمن حقنا ان نعترض ولكن في حدود الأدب والمسموح.. الرجل لم يعين في حكومته حجاجاً ولا زيداً. فالرئيس رجل متواضع يسير بين الناس ويعيش كأي مواطن عادي في شقة وليس قصراً.. قانع لم يسع إلي الرئاسة بل هي التي سعت إليه نحن لا نريده جباراً بل رحيماً.. نريده عادلاً. أنا علي المستوي الشخصي أري فيه العدل.. قوام.. صوام.. أنا أريد رئيساً يعطي حق الله أولاً.. الدولة محتاجة للعدل والقوة فهما جناحان لا يتم الاستغناء عنهما فدولة بدون عدل ولا قوة تكون غابة.. ولا أريد جلادين وترزيه ومنافقين وحاسدين ومتربصين نريد مواطنين أسوياء.. مصر هي بلدي وملاذي ووطني الذي لا نستطيع العيش بدونه.. فيه أهلي وعشيرتي وأصدقائي.. أرجوكم إيها المتصارعون من أجل دنيا فانية راعوا الله فينا واعملوا عملاً حسناً سوف تجنونه.. ومن يزرع الشوك يجني الجراح.. ورحم الله شوقي حين قال: "يا وطني لقيتك بعد يأس كأني لقيت بك الشبابا" هذا هو وطني الذي أحب.. ومن أراد بنا شراً نحن المصريين خذه أخذ العزيز القادر فإنه غير معجز وكفاكم التغني بالديمقراطية الزائفة والأقنعة الساقطة.