تزايدت معدلات العنف في المدارس بصورة خطيرة في الفترة الأخيرة. حتي صار مسلسلاً بلا نهاية. وقد تعددت صور هذا العنف بين الضرب والجلد وقص الشعر وهتك العرض وتفاقم حتي بلغ درجة القتل مثلما حدث في إحدي مدارس المنوفية. أرجع الخبراء بروز العنف في المدارس إلي المناخ العام وغياب القدوة وانتشار الدروس الخصوصية التي جعلت المدرس أجيراً لدي أولياء الأمور وأهدرت هيبة المعلم. وغياب الرقابة والإدارة الحاسمة وغيرها. "المساء" استطلعت آراء الخبراء والمتخصصين في التحقيق التالي: يقول د. سيد عفيفي أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب القاهرة: تصاعدت وتيرة العنف في المدارس بصورة كبيرة مؤخراً. وظهرت عدة وقائع. أشهرها حادثة قص شعر تلميذتي الابتدائي بالأقصر لإجبارهما علي ارتداء الحجاب. وإجبار تلاميذ أحد مدارس العامرية علي ضرب زميلهم علي قفاه عقاباً له علي حديثه أثناء الحصة. ناهيك عن حوادث الاغتصاب والضرب المبرح الذي أفضي لقطع الرباط الصليبي لأحد التلاميذ. الأمر الذي يثير القلق ويهدد السلم الاجتماعي بالخطر. أضاف: العنف في المدارس يرجع إلي المناخ العام وتخلي المدرس عن الحكمة في التعامل مع تلاميذه. بما يؤدي لتحطيم القدوة والمثل الأعلي في وجدان التلاميذ. ويولد في نفوسهم الكراهية والحقد. أكد أن هناك وسائل عقابية غير العنف يمكن للمدرس اللجوء إليها للتأثير علي تلاميذه في المرحلة الابتدائية. مثل إحضار ولي الأمر وتفعيل الترهيب والترغيب والثواب والعقاب بعيداً عن الإيذاء البدني أو النفسي أو الامتهان. عقوبات مشددة أشار د. عفيفي إلي أن المعلم مرب في المقام الأول يغرس القيم الأخلاقية في نفوس طلابه خصوصاً في المرحلة الابتدائية. ولابد من إبعاد المدرس الذي يصر علي العنف والعقاب المؤذي عن التدريس. وبالتالي حرمانه من الدروس الخصوصية التي تمنحه فرص التكسب. تقول د. سامية الساعاتي "أستاذ علم الاجتماع بآداب عين شمس وعضو المجلس الأعلي للثقافة": العنف في المدارس أصبح خطراً يهدد العملية التعليمية وسوف يؤدي إلي التسرب من المدارس وانتشار الأمية. فالمدرسة مؤسسة تربوية تعلم النشء الأخلاق والعلم. وقديماً كان الاحترام متبادلاً بين التلاميذ ومعلميهم. أما الآن فقد اختلف الأمر حيث يسمح المعلم لطلابه بمجالستهم علي المقاهي ومشاركتهم في التدخين. دروس خصوصية أضافت د. الساعاتي: إن المشكلة التي يجب الالتفات إليها هي جشع الدروس الخصوصية التي جعلت المدرس أجيراً لدي الطلاب مما أهدر كرامته وأفقده احترامهم.. ولابد من تفعيل الرقابة علي المدارس وتفعيل دور الأسرة في متابعة ابنائها وتنشيط دور مجالس الآباء ومشاركة أولياء الأمور في تنمية ابنائهم ثقافياً وعلمياً واجتماعياً جنباً إلي جنب دور المدرسة. أكدت د. الساعاتي أن المعلم الذي يقوم بتعذيب أو ضرب أي تلميذ يرتكب جريمة ضد الإنسانية. الأمر الذي يستلزم إعادة النظر في تدريب المدرسين خاصة في مرحلة التعليم الابتدائي ورياض الأطفال. تلك المرحلة الذهبية في حياة الطفل. وذلك بتنظيم دورات تدريبية وتزويدهم بالأساليب الحديثة لتعليم الصغار والاسترشاد بتجارب الدول الأخري في هذا المجال. كثافة عالية تقول د. نادية رضوان "أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس": تصاعدت أزمة العنف في المدارس نتيجة وجود أزمة أخلاق سيطرت علي المجتمع كله وغياب القدوة وأن الزيادة السكانية انعكست علي كثافة الفصول حتي صار الفصل الواحد يضم ما بين 50 و60 طالباً. والمستوي المادي المتدهور للمدرس ألجأه لإعطاء الدروس الخصوصية لتحسين دخله وهو ما أزال الرهبة بين المدرس وطلابه وأدي لانحطاط في السلوك وانتشار العنف في المدارس. أضاف: الحلول المثالية للقضاء علي هذه الظاهرة تكمن في تقليل كثافة الفصول لتصبح 20 طالباً بالفصل. وإصدار قانون لتجريم الدروس الخصوصية مع تحسين دخل المدرس لإغنائه عنها. يقول د. رسمي عبدالملك رستم "أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي بالمركز القومي للبحوث": ما يحدث الآن في المدارس من ممارسة العنف ضد الطلبة يرجع لخلل أصاب المنظومة الأخلاقية للمجتمع. وغياب الانضباط عن المدارس وسوء المناخ العام بالمجتمع وانتشار البلطجة والعنف بين الطلاب بعضهم بعضاً. وهو أثر بالسلب علي سلوكهم والأخطر هو لجوء المدرس للعنف ضد الطالب مما يجعل الطالب يستخدم الأسلوب نفسه ضد زملائه. أضاف: لابد من تفعيل دور اتحاد الطلاب الذي أصبح مجرد تنظيم شكلي والبحث عن حلول جذرية تزيل سوء التفاهم بين المدرس وطلابه حتي لا يلجأ الطالب لاستخدام ذراعه للحصول علي حقه. وتختفي لغة الحوار داخل المدرسة كما هو حادث الآن. أشار رستم إلي ضرورة تفعيل دور مجالس الأمناء وخلق لغة مشتركة للتعامل مع الأولاد في المنزل والمدرسة والشارع من خلال تنظيم لقاءات مع أولياء الأمور لإيجاد حلول للعنف والسيطرة عليه. يقول د. محمد زهران "نقيب المعلمين بالمطرية": العنف بالمدارس خرج عن السيطرة. لازدياد معدلاته بشكل لافت. والسبب في ذلك سوء المناخ التربوي غير الملائم للمدرس والطالب معاً. وتضخيم وسائل الإعلام لحالات العنف بالمدارس. وعرض أفلام تحض علي العنف ومسلسلات تصور المدرس بشكل مهين. والافتقار لمعايير سليمة في اختيار المعلمين. فليس كل المعلمين تربويين والكادر الجديد يشمل الحاصلين علي مؤهلات عليا ولم يشترط التربويين مما يعطي الفرصة لغير التربويين للتعيين في وظائف لا تناسبهم. أضاف زهران: العقوبات التي تطبق علي المعلمين هزيلة وغير كافية. ومن ثم فإن النقابة تطالب وزارة التربية والتعليم بتعديل القرار الوزاري 518 الخاص بالضرب في المدارس. واستبدال لائحة جزاءات جديدة تحدد العلاقة بين الطالب والمدرس علي أساس الاحترام المتبادل والحقوق والواجبات والنقابة بدورها سوف تعد ميثاق شرف للمعلمين مع الوزارة. يعالج مسألة الضرب في المدارس وغيرها من الأمور التربوية.