يعد الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبوسنة من أغزر شعرائنا إنتاجا. وأعلاهم قيمة فله 11 ديوانا تعد إضافة حقيقية إلي شعرنا المعاصر. بالاضافة إلي مسرحيتي حصار القلعة وحمزة العرب. وكتاب "تأملات نقدية في الحديقة الشعرية" وقد حصل علي العديد من الجوائز العربية والعالمية. ومنها جائزة كفافيس.. جائزة أندليسية للثقافة والعلوم. جائزة محمد حسني فقي جائزة جامعة شتيرن بألمانيا.. وغيرها. قلنا: كنت شاهد عيان لثورة 1952. ما رؤيتك للمشهد الإبداعي عقب تلك الثورة؟ قال: صورة المشهد الإبداعي بعد ثورة 1952 كانت مركبة. وواضحة. وشديدة التجديد والتفجر. لأن هذا الإبداع جاء في إطار مشروع قومي علي المستويات السياسية والاجتماعية والوطنية. وامتد المشروع بالتالي إلي المشروع الابداعي. وجاء الإبداع في إطار الانفتاح الثوري. وعناق رؤي التجديد والرؤي الثورية في المجال الأدبي. ففي الشعر رأينا تفوقا في الشعر الحديث والقصة القصيرة. وبرزت قصة يوسف إدريس. ورواية نجيب محفوظ. وظهر في النقد محمد مندور وعلي الراعي وعبدالقادر القط ولويس عوض. كان المشهد الابداعي متفجرا. وشديد التجديد والوضوح. ويواكب حركة الواقع بمستوياتها وكانت لدينا خصوصيات واضحة في مجال إبداع الثورة. وكان بداخل هذه الخصوصيات ما يسمي بالمراجعات التي قام بها الأدباء من جانبهم. بحكم اتصالهم بالتيارات العالمية الإبداعية رأينا الصورة الاسلوية للقصيدة الشعرية في الخمسينيات تراجع في الستينيات من جانب الرواد انفسهم: صلاح عبدالصبور وعبدالمعطي حجازي وغيرهما. كان الاتصال الحميم بين حركة الواقع الإبداعي في الشعر والرواية والقصة والنقد. وكان ذلك وثيق الاتصال بحركة الترجمة في الستينيات. التي انعكست فيما انتجته دار الآداب البيروتية. سواء مجلة الآداب التي كان يتولي رئاسة تحريرها الروائي والناقد الكبير سهيل إدريس. أو منشورات الدار المهمة من أعمال إبداعية ذات صبغة وجودية وواقعية. ورأينا أعمالا كبري تصدر في مصر. مثل روايات ديستويفسكي التي ترجمها سامي الدروبي. والدراسات التي قام بها لويس عوض علي مستوي المسرح الواقعي.. ولعله يمكن القول إن حركة الإبداع كانت تمر بقنوات متعددة. وأطر حديثة.. كان هناك جيل جديد من المبدعين نشأ في ظلال هذه الثورة. أفق حداثي قلنا: فماذا عن الأجيال التالية؟ قال: تلا هذا جيل آخر تمثل في جماعتي إضاءة وأصوات. وكانت هاتان الجماعتان متأثرتين بالأفق الحداثي عند أدونيس في البداية. ومعارضة جيل الستينيات. وصورة الإبداع القومي المتأثر بثورة 1952 كنوع من رد الفعل لكارثة النكسة سنة .1967 كان جيلا جديدا. وكان مصدرا من مصادر الحيوية.. لكن هذا المصدر تحول إلي مصدر استاتيك في الثمانينيات. نتيجة لتطورات رؤي الأجيال المختلفة وإبداعاتها. ومع نهاية الثمانينيات فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل. واتجه النقد كآلة إعلامية للاحتفال بمحفوظ واستقبال الجديد من الإنتاج الروائي. وظهر هذا الاهتمام النقدي الواسع والعميق والضخم بالروائيين الجدد. وعلي وقع فوز نجيب محفوظ بنوبل. ظهرت الدعوة التي تتسم بالمبالغة والتي تقول إننا أصبحنا في زمن الرواية. وبدا الأمر أن الشعر يتراجع. لكن ظهر شكل جديد. ليس فقط في العراق وشمال أفريقيا والجزيرة العربية.. الشكل الذي كان انعكاسا للتأثير. واحتكم في إبداعه إلي مستوي الانفتاح والتلقي. والتواصل مع الثقافة العالمية. قلنا: ما صورة هذا الشكل الجديد؟ قال: رأينا أن هناك مدرسة الشعر الحديث في الشعر الواقعي. والواقعية في القصة والرواية. والواقعية الاشتراكية في المسرح. الاتجاه الواقعي في النقد يقابله اتجاه غربي. قاده رشاد رشدي. هذه صورة مركزة. وموجزة للمشهد الابداعي بعد ثورة .1952 طبعا تطورت هذه الصورة في الستينيات تكثيفا وترسيخا ونضجا. وانتهت بمراجعات شاملة لتنتقل لمرحلة ما بعد الستينيات التي شهدت ارتباكات شديدة. حيث كان النظام يحاول بناء خطة. أو خريطة جديدة. للإبداع الأدبي. تقوم علي التخلص من صورة المشهد السابق. ولهذا رأينا ظهور مدارس مفتعلة ومتكلفة. منها محاولة إعادة تشكيل مدرسة أبوللو القديمة. وهي مدرسة كان لها أوانها. وأهميتها في ذلك الأوان. قصيدة النثر قلنا: لم نتحدث عن قصيدة النثر؟ قال: طبعا السبعينيات شهدت جيلا جديدا من الشعراء المتأثرين بالشعراء اللبنانيين. الذين تأثروا بالثقافة الأوروبية. خاصة الفرنسية. وبالذات بودلير. كما ظهرت قصيدة النثر لتكتسح تقاليد القصيدة العربية المتوارثة. قلنا: فماذا عن المشهد الحالي؟ قال: اعتقد أن ما نحن فيه الآن يشبه ما كنت أراه في قريتي. حيث كان الفيضان يأتي. فيغمر الجزء. ثم ينحسر الماء. فيبرز شبه بساط سندسي أخضر جميل. نحن الآن في مرحلة مازال الفيضان يضطرب فوق الأرض. لكن في تصوري أنه بعد هذا الاضطراب. سيتم استقرار اللوحة. وستبرز المساحات السندسية الخضراء في الإبداع العربي والمصري. في الشعر والمسرح.