من أحداث تاريخنا الوطني انه وعندما دارت مساجلة صحفية بين جريدتي "المقطم" ."المؤيد" حول أوضاع الأقباط والأرمن. في أواخر القرن التاسع عشر بعد أن زجت المقطم بوضع الأقباط في عرضها لوضع الأرمن أعلن الأقباط "نحن والمسلمون إخوان في السراء والضراء". وقد عشنا ثلاثة عشر قرنا ونحن متساوون في رحمة الحكام وظلمهم. ونود أن نبقي هكذا إلي ما شاء الله. وقد رفض الأقباط أي مساومة مع الانجليز بشأن حماية الأقليات. برغم قرب العهد الذي كان الحزب الوطني يدعو فيه إلي الجامعة الإسلامية. بل انه عندما اتهم اللورد كرومر المصريين بالتعصب الديني. رد عليه المسيحيون ينفون التهمة. وقد عدل كرومر فيما بعد عن دعواه فكتب في "مصر الحديثة": "لم أجد فرقا بين قبطي ومسلم سوي أن الأول يذهب إلي الكنيسة يوم الأحد. والثاني يذهب إلي المسجد يوم الجمعة. والقبطي الحديث من قمة رأسه إلي أخمص قدميه في السلوك واللغة والروح مسلم. وإن لم يدر كيف. والقبطيات محجبات كالمسلمات. والأطفال الأقباط تأقلموا بشكل عام. وعادات الزواج والوفاة مشابهة لتلك المتبعة لدي المسلمين. وكذلك في قواعد الميراث". وحين حذر بشري حنا. شقيقه سينوت حنا من مغبة الإسهام في الحركة الوطنية قبل نشوب ثورة 1919. وقال له "إذا أصررت علي سلوك هذا السبيل. فستسجن وتعذب. وربما نفوك من البلد كما نفوا عرابي وطلبة وعبدالعال حلمي. فقال سينوت: يا أخي بشري. لا تخف عليّ انني أسعي في الحصول علي استقلال مصر. وإخراج الانجليز منها. لان هذا هو الضمان الوحيد لسلامتنا جميعا. أقباطا ومسلمين. انت تظن ان الانجليز يحرسون أموالنا. ويحمون حقوقنا نحن الأقباط. هذا خطأ. انهم لا يحمون إلا أنفسهم. وها أنت تراهم يستكثرون من نصاري الشوام. ويعتمدون عليهم من دوننا. وانظر عنايتهم بالأروام والأرمن والمالطيين. انت تعرف ان الحكومة الانجليزية هي التي بنت من مالها كنيسة الروم وكنيسة الأرمن في القاهرة. وهم يمولون الآن المستشفي الإسرائيلي.. فهل ساهموا بقرش في بناء كنيسة قبطية؟.. انهم يا أخي أعداء المصريين جميعا. وأملنا الوحيد هو أن نظل متحدين مع اخواننا المسلمين. فنحن وهم دائمون في هذا البلد. وما عدانا زائل. هذا هو الأمان الوحيد لي ولك. ولأموالك التي تخاف عليها. ولعل أهم ما في روايات جورجي زيدان التي استوحت التاريخ الإسلامي 18 رواية طويلة انه كتبها في الفترة التي علت فيها اتهامات كرومر للمصريين بالتعصب الديني ضد الأقلية المسيحية "التعصب مخيف علي شواطئ النيل"!. واللافت في هذه الروايات انه يوجد من بين أبطالها بعض المسيحيين الذين يدينون بالاخلاص للدولة الإسلامية. ويعملون علي تنفيذ أهدافها. ويقول الكاتب الانجليزي س.ه.ليدر ان أصدقاءه من بين كبار المسلمين ذكروا له ان فكرة التمييز أوحي إليهم بها من الانجليز أنفسهم. وقد أقر هؤلاء الأصدقاء بأنه ليس في السوابق التاريخية للبلاد وجود لهذا المبدأ. ذلك لأن الفارق الوحيد بين القبطي والمسلم "هو أن الأول مصري يعبد في كنيسة مسيحية. والآخر يعبد في مسجد مسلم". وعلي سبيل المثال. فقد لجأ جورست إلي وسيلة استعمارية لإيجاد الخلاف والشقاق بين المسلمين والأقباط. فكان الموظفون الانجليز يحرضون الأقباط من ناحية علي المسلمين. ثم يعودون فيحرضون المسلمين من ناحية أخري علي الأقباط. وشرعت المصالح الحكومية تخرج إحصاءات غير مطلوبة كي تبين عدد الموظفين من القبط والمسلمين. وشرع كل فريق يعقد المؤتمرات. ويطالب بطلبات. كما ان مصر لم يعد لها طلبات قبل الانجليز المعتدين علينا جميعا. وإنما صار كل ما نطمع فيه أن يطلب المسلمون من الأقباط ترك هذه الوظائف أو تلك. ويطلب الأقباط من المسلمين هذا الحق أو غيره". فلما قامت ثورة 1919 تراجعت محاولات الدس والوقيعة حتي تلاشت تماماً. بتأثير التحرك الواعي لقيادات الثورة. وللمواطنين العاديين. وهو ما تجلي في شعار الثورة: الدين لله والوطن للجميع.