النظام يخلى المناطق الأكثر حشدًا منعًا للتظاهر.. والوزارات تبدأ خطة الإخلاء ب «الداخلية» وتحويله لمزار سياحي سياسي: الغموض سيد المشهد في إخلاء وسط البلد ورجال الأعمال المستفيد الوحيد منه
"هنا القاهرة.. هنا قلب مصر العاصمة التي تنبض معلنةً عن الحياة".. مَن يسير بأرجائها المزدحمة يعرف مدى قيمتها.. القاهرة بزحامها وسكانها وروادها لها مكانة خاصة، نظرًا لجغرافيتها المتميزة المطلة على جميع المعالم التي يأتي إليها السائحون ليتمتعوا بطابع القاهرة الخاص.. لكن مع كل تلك المميزات إلا أن القاهرة وتحديدًا "وسط البلد" الذي يعد قلب "القاهرة التجاري" والتي تعد من أقدم أحياء القاهرة وأرقاها تخطيطًا وعمارًا وتصميمًا على أحدث الطرز الأوروبية المعمارية، حيث تم بناؤها في عهد الخديو إسماعيل لتكون وجهة مصر المشرفة، لتتعرض تلك المناطق لسيل من الأحداث حرائق ونقل للأماكن وتغيير كامل في جغرافيا تلك المنطقة، بعد اتهام بعض المحللين السياسيين للسلطة بأنها تحاول أن تبيع المناطق الحيوية لمستثمرين للاستفادة منها والبعض الأخر رجح أن هناك محاولة لإعادة هيكلة جغرافيا "وسط البلد". حرائق مفتعلة والسبب غامض سلسلة من الحرائق والنيران تلتهم مناطق عدة بالقاهرة، ابتداءً من العتبة والغورية وصولاً لحريق محافظة القاهرة والقضاء العالي، ليبقى القوس مفتوحًا منتظرًا أن يغلق بعلامة استفهام وتعجب لمَن يقف خلف هذه الحرائق، والهدف منها خاصة بعد أن أصبحت المحلات متفحمة والمنطقة خالية، والإشارات تلوح بإخلاء المنطقة وصفقة لبيع المحلات. وتبدأ سلسلة الحرائق بمنطقة سوق الرويعي، بالعتبة، الحادث الذي أسفر عنه تفحم 4 عقارات ونحو 225 من المخازن والمحال بالمنطقة، بعد استمرار لامتداد الحريق دام لما يقرب من 8 ساعات دون سيطرة من جانب قوات الحماية المدنية والإطفاء وكان لتدرج هذه الحرائق وتنظيمها وسلسلتها بهذا الشكل السبب في تزايد علامات الاستفهام خاصة بعد اندلاع الحريق في محلين تجاريين لبيع الأقمشة بمنطقة الغورية، في الأزهر، فعلي الرغم من قرب جراج المطافئ بالعتبة إلا أنها وصلت بعد اندلاع الحريق بما يقرب لمدة تجاوزت ساعة، وهو ما جعل الحريق يمتد ليلتهم بعض المحلات المجاورة. ولم تسلم محافظة القاهرة من الحرائق، حتى امتد إليها حريق بأحد المكاتب بالطابق الثالث والرابع دون معرفة أسباب الحريق، وأسفر ذلك الحريق عن احتراق غرفة التخطيط التي تحتوي على كل ما يخص تاريخ مصر منذ نشأتها حتى الآن. وابل من التكهنات وبوادر القلق الشعبي تجوب الأرجاء؛ بسبب سلسلة الحرائق التي ضربت محافظات مصر، تأكيدات على أن هذه الوقائع بفعل فاعل ولم تأتِ بواقع الصدفة البحتة، والبعض رأى أنها محاولات مقصودة لإثارة الرأي العام أو السماح لمستثمرين بالسيطرة على أماكن هذه الأسواق. وأعلنت محافظة القاهرة عن الامتناع عن إصدار تراخيص جديدة بالعتبة أو الغورية أو الشياخات التجارية بحي وسط القاهرة، كدرب سعادة والخيامية والفحامين والنحاسين، وسيتم التشديد على التجار بعدم استغلال الرصيف أو أحواش العقارات لفرش بضائعهم، وهو الأمر الذي زاد الشكوك حول النية في إخلاء المنطقة لسبب يحيطه الغموض. خطة إخلاء وزارات "وسط البلد" "الداخلية، الإسكان، الصحة، التربية والتعليم، التعليم العالي، والعدل" مربع الوزارات المتواجدة بمحيط قصر العيني الذي يبعد خطوات بسيطة عن ميدان التحرير ومجمع التحرير ووسط البلد، دخلت طور التعديل الجغرافي؛ حيث اتخذت الحكومة والمسئولين قرارًا يفيد بنقل مقر الوزارات من منطقة وسط القاهرة وانتقالها للعاصمة الإدارية الجديدة أو المناطق البعيدة عن الازدحام وهو ما تم تنفيذه بالفعل في خطة نقل "وزارة الداخلية" إلى مقرها الجديد بالتجمع الخامس ووفقًا لتصريحات المتحدث الإعلامي لوزارة الداخلية اللواء أبو بكر عبد الكريم فإنه من الممكن أن يتم تحويل مقر وزارة الداخلية بشارع الفلكي بالقرب من ميدان التحرير إلى مزار سياحي نظرًا للتصميم المعماري المميز للمقر، بالإضافة إلى مرور ما يقرب من 100 عام على تدشينه. وعن سلسلة نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة التي تقوم مصر بتدشينها في هذه الفترة فقد عرضت إحدى الشركات ما يقرب من 4 تصميمات ل 12 وزارة سيتم تنفيذها في المرحلة الأولى، بحيث يكون لكل وزارة تصميمان، يتم اختيار أحدهما، تنفيذًا لمخطط نقل عدد من الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية مما عرف ب"مربع الوزارات" بمنطقة وسط البلد، لمواجهة أزمة التكدس المروري اليومي لتوافد الجمهور والموظفين على تلك الهيئات، بحسب قول المسئولين. ومن أبرز الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية التي ستدخل طور الانتقال "رئاسة مجلس الوزراء، وزارة الصحة، وزارة الداخلية، وزارة التموين، مكتب العمل– عابدين، التربية والتعليم، الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، المعامل المركزية لوزارة الصحة، الإنتاج الحربي، التعليم العالي والبحث العلمي، الهيئة العامة للطرق والكباري والنقل البرى، التضامن الاجتماعي - قطاع التأمينات الحكومي، وزارة الخارجية، وزارة العدل، وزارة الأوقاف، وزارة التجارة والصناعة، وزارة الشئون القانونية ومجلس النواب، وزارة التعاون الدولي، مجمع التحرير". "مجمع التحرير.. المبنى المقوس" مبنى تاريخي صمم على هيئة "قوس شاهق" ليكون مبنى إداريًا لإدارات مختلفة تضم تسعة آلاف موظف حكومي، يخدم المواطنين المصريين في مختلف محافظات الجمهورية، قام بتصميمه المهندس محمد كمال إسماعيل عام 1951 على مساحة 28 ألف متر وارتفاعه 55 مترًا بتكلفة ما يقرب من 2 مليون جنيه، إنه "مجمع التحرير" الذي قررت محافظة القاهرة الاستغناء عنه بسهولة تامة بحجة إعادة الهيكلة وإعادة توظيفه بالشكل الذي يليق بطبيعة المكان وأهميته التاريخية والجغرافية وقررت المحافظة إخلاء المجمع من جميع الجهات والإدارات والهيئات الحكومية التي تشغله، على الرغم من أن هناك ما يقدر بنحو 30 ألف مواطن يزور المبني يوميًا وهو ما دفع المحافظة بحجة إخلاء المبنى؛ نتيجة للزحام الشديد الذي تشهده المنطقة؛ نتيجة قدوم كل هؤلاء المواطنين من محافظات الجمهورية بما يؤثر على شريان الحياة في قلب العاصمة، كما أنه له بعد أمني؛ نتيجة تواجد هذا العدد الكبير في مكان واحد. وأكدت المحافظة أنه لم يتم تحديد إمكانية الاستفادة من المبنى بعد إخلائه حتى الآن ولم يتم البت في مسألة تعديله أو استخدامه في نشاط آخر ليتم إعادة توظيفه فيما يتناسب مع طبيعته الجغرافية، كاشفة إلى أن خطة الإخلاء ستتم اعتبارًا من 30 يونيو القادم وسيستمر خلال عام كامل بعد أن تم تكليف كل إدارة تابعة للوزارات بضرورة تفريغ مكاتبها وموظفيها ونقلهم لأماكن بديلة. الباعة الجائلون.. وخطة الاستبعاد "ميدان العتبة، مدخل ميدان الموسكي، شارع الجيش، محيط الميدان، منطقة صيدناوى، سنترال العتبة"، مناطق مكدسة بالمواطنين وتشهد كثافة مرورية عالية جعلت منها مناطق تجارية بالدرجة الأولى، ما فتح أبواب الأمل لدى الكثيرين ما جعلهم يفترشون الطرقات لبيع بضائعهم للإنفاق على أسرهم أفضل من التشرد والبطالة، هنا دقت قوات الأمن صافرة الإنذار، فولّى الباعة الفرار، وبدأت لعبة القط والفار وساعات من الكر والفر أحيانًا تسفر عن مصادرة بضائعهم وأحيانًا أخرى بالغرامة وفى الكثير من الأحيان الحبس. في البداية، أعلنت الحكومة عن حملة إخلاء لهذه المناطق، بحجة الحفاظ على المظهر الحضاري لمنطقة وسط البلد، ومن هنا اتفق البعض مع هذا القرار ولكن بتوفير أماكن أخرى للعمل بها ولكن سرعان ما انقلب المؤيدون، خاصة أن الأماكن التي تم نقل لها الباعة بعيدة عن الناس، وبالتالي لا يجدون مَن يشترون منهم شيئًا وكأنهم في منفى، وتجاهلت الدولة مصير آلاف الباعة الجائلين، الذين يعانون من القرار، فحين تم توفير أماكن مخصصة لهم بسوق الترجمان كبديل عن وسط البلد وشارع 26 يوليو لم تُحل الأزمة، وصرخ الباعة بسبب عزوف المواطنين عنهم. وتصاعد غضب الباعة الجائلين بالعتبة، مؤكدين أن منطقة العتبة تعد سوقًا وليس من حق المحافظة نقله إلى الترجمان، لتتراجع المحافظة عن قرارها، في تناقض فج؛ حيث أكد العقيد أحمد عبد ربه، رئيس حي الموسكي، أن الحملة التي شنت على منطقة العتبة كانت لرفع الإشغالات وفتح الحركة المرورية وليس الإخلاء من الباعة الجائلين. "لسنا بلطجية ولكننا نحمى أسرنا من التشرد.. ومشروع الباكيات وهمي"، و المحافظة لم تفِ بعهدها معنا في تسكيننا بوضع يحمينا من التشرد، والباكيات بُنيت في أماكن بعيدة عن أماكننا وبطريقة غير منظمة وواجهنا فيها مشاكل خاصة بالتصاريح وقيمة الإيجار ووجود المرافق، ولم يلتفت المسئولون إلى شكوانا، وبالتالي هجرناها من أجل الرزق. تجار صغار رأس مالهم قد لا يتعدى أحيانًا خمسين جنيهًا وغالبًا ما ينتشرون في أماكن بعينها كشارع فرنسا بالإسكندرية أو أسواق العتبة أو غيرها، يقدر عددهم وفقًا لبعض التقديرات 5 ملايين بائع، وينظر لهم المجتمع أحيانًا باعتبارهم كيانًا طفيليًا ينمو في الشوارع ويتعاملون معهم باعتبارهم بلطجية يفرضون تواجدهم من منطلق القوة والبلطجة والبعض الآخر يجد منهم ضحايا المجتمع. ومن هنا تعددت التساؤلات والاستفسارات فإذا كان الهدف من إخلاء الميادين من الباعة الجائلين لتحسين المظهر الحضاري فلِمَ لا توفر لهم الدولة أماكن نشطة بالسكان؟، لماذا يختاروا منفى ليعزلوهم عن الناس؟، والبعض أوضح وجود شيء غامض وراء حملة الإخلاء الممنهج من العتبة للإسكندرية للسويس والأقصر ودمياط وغيرها من المحافظات. علاقة أمريكية لرعاية شرق أوسط جديد قال محمد السعدني، الخبير السياسي ونائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، إن الأحداث الأخيرة يشوبها الغموض وأن تعامل الدولة مع الأزمات قائم على عدم احترام الرأي العام، مشيرًا إلى أن إخلاء منطقة وسط البلد، بالإضافة لإخلاء العتبة والموسكي وقضية تيران وصنافير، والبروتوكول التعاوني مع إسرائيل كلها أشياء تدل على مخطط لإعادة رسم المنطقة ككل وليس وسط القاهرة فقط. وأشار السعدني، في تصريحات ل"المصريون"، إلى أن الأمر غامض فهل ما يحدث يشير إلى عقل يرسم للجنرال، على حد قوله - يريد أن يأخذه لاتجاه معاكس أم أن الرئيس لا يعلم بما يدار أم أن الجنرال خضع للإرادة الأمريكية التي تهدف إعادة رسم المنطقة، مشيرًا إلى أن الأمر يكشف عن مشروع شرق أوسط جديد يهدف لتكسير عظام الفلاح البسيط والتجار والباعة الجائلين في العتبة. وعلى صعيد آخر، نفى عمرو ربيع، الباحث السياسي، وجود مخطط لإخلاء منطقة العتبة أو وجود مخطط لبيع المحلات، مؤكدًا أن هذه المنطقة أصبحت لا تمثل لهم تخوفًا شديدًا كما كانت من قبل. وأشار ربيع، في تصريحات ل"المصريون"، إلى أن هناك مناطق حلّت محل هذه الأماكن في الحشد والقدرة على التظاهر، لذا أستبعد فكرة النظام في إخلاء المنطقة لأي سبب.