فى كلمته أمام أعضاء الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين - والذى أشرف بعضويتى فيه – قال د./ محمد عمارة: إن لكل ثورة فى العالم رسالة تسعى لتحقيقها وتفعيلها على أرض الواقع وفى دنيا الناس وضرب لذلك مثلا بالثورة الفرنسية والتى اتخذت من الليبرالية رسالة لها كما جعلت الثورة الروسية 1917 الشيوعية رسالة لها .. إلخ أما رسالة الثورة المصرية المعاصرة فقد أوجزها د./ عمارة فى عبارة مهمة وهى " النهضة الإسلامية " فهذه الثورة – كما يراها مفكرنا الكبير – ستعمل على عودة الهوية العربية والإسلامية لمصر مرة أخرى بعد عقود طويلة من التغييب القسرى لهذه الهوية الأصيلة مما يمكن الدولة المصرية من العودة مرة أخرى لقيادة الشرق نحو استكمال هويته الجامعة فمصر ولاية جامعة تعدل خلافة كما قال الصحابى الجليل عمرو بن العاص رضى الله عنه . ما قاله د./ عمارة اعتبره توصيفا رائعا لهدف ورسالة هذه الثورة العظيمة والذى لابد وأن يتبلور فى أذهان القائمين على تنفيذ المشروع الإسلامى على أرض الواقع وأعنى هنا الحركة الإسلامية تحديدا . فنحن إزاء متغير هو الأبرز ليس على المستوى المحلى والإقليمى فحسب ولكننا لا نبالغ إذ نقول إنه على المستوى العالمى أيضًا وهذا ما يجب أن يترسخ فى الأذهان حتى يواجه بالارتفاع إلى مستوى الحدث من حيث الرؤية والإجراءات العملية . فنحن لسنا أمام مكسب برلمانى أو نقابى أو حتى الاستحواذ على منصب الرئاسة بل أمام تغيير حضارى وثقافى وعقدى وإعادة تشكيل مجمل العلاقات العربية والدولية ، نحن أمام إعادة صياغة للإنسان من جديد والانطلاق صوب بناء مفهوم " الأمة الجامعة " التى تستجمع شرائط الخيرية وتقوم على عمارة الأرض وسياسة الدنيا بقواعد الدين . الجماهير التى رأيناها مصطفة بالملايين أمام لجان الاقتراع لتعطى صوتها للتيار الإسلامى إنما كانت تختار فى الحقيقة رؤيتها للمستقبل وتعلن رفضها لكل المشاريع التى اكتوت بنيرانها منذ التغييب القسرى للإسلام وتقويض دولته ، فالقومية انتهت بالجماهير إلى كارثة 67 والعلمانية لم تستطع أن تقدم نفسها لعامة الجماهير رغم انفساح المجال أمامها عبر عقود طويلة احتمت فيها بالسلطة الغاشمة المتواجدة آنذاك والتى تكفلت بمنافسيهم من الإسلاميين سجنا وتشريدا وأعطتها مفاتيح الثقافة والإعلام والتعليم ولكنها بالرغم من ذلك فشلت فى التغلغل بين القواعد الجماهيرية وظلت فكرا نخبويا منغلقا. وظلت الجماهير تحن إلى دينها وتلتصق به قدر جهدها وعندما " انزاحت " السلطة الغاشمة كان من الطبيعى أن تختار المشروع الذى يخاطب ثوابتها وعقيدتها ومن هنا يتضح العبء الأكبر الملقى على الحركة الإسلامية فهى إذا كانت مطالبة اليوم توفير الطعام والشراب وتحسين الأحوال المعيشية كمطلب أولى وضرورى فإنها فى الوقت ذاته مطالبة بالبدء فى الارتقاء بهذا الإنسان كما ارتقى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بصحابته فحولهم من مجموعة تعيش على حافة الدول والممالك الكبرى إلى شخصيات تصنع التاريخ وتبنى الحضارات . ومن هنا فإن اهتمام الحركة يجب أن يتوجه إلى الاتساق مع رسالة الثورة المصرية بما يعنى أن تبنى وبكل دقة خطتها النهضوية الشاملة للإنسان والزمان والمكان وأن تعلم أن المرحلة القادمة ليست مرحلة العمل من أجل علو جماعة الإخوان أو بروز السلفيين أو انتشار الجماعة الإسلامية ولكنها مرحلة عودة الإسلام وعلو حضارته وانتشار قيمه وأخلاقه .. وبروز سموه وتسامحه .. وذيوع عدله وحريته .. إنها مرحلة الخروج من إطار التنظيم الضيق إلى بناء الدولة الرحب الواسع الذى يحتاج إلى تعاون وتضافر الجميع بلا استثناء أو إقصاء . والله تعالى يقول : " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون " [email protected]