الضجة التى يثيرها العلمانيون اليوم عبر محاولة اغتيال الإرادة الشعبية بواسطة الوثائق " الفوقية " هي محاولة يائسة من أجل الإفلات من استحقاقات واجبة تفرض عليهم النزول من الأبراج العاجية والعمل مع الجماهير فى الشوارع والنجوع والكفور بعد الحلف غير المقدس الذى أقاموه مع النظم السلطوية الديكتاتورية والذي سمح لهم بمنصة عالية يتعالون بها على الشعوب . فالتيار العلماني يعلم فى قرارة نفسه أنه لن يجد له صدى فى المجتمعات العربية والإسلامية لذا لجأ إلى التحالف مع السلطات القائمة رغم وحشيتها وسلطويتها وكان بمثابة الهراوة الفكرية والإعلامية التى تمهد الطريق للقصف الأمني المكثف ، وحملات البطش والقهر التى اختصت تقريباً بالإسلاميين دون غيرهم . حاولت العلمانية بحد السيف وقهر السلطة أن تجد لها موضع قدم فى المجتمعات الإسلامية والعربية ولم تلزم نفسها آداب النزال الفكري والمجادلة العلمية وضوابط الديمقراطية وأصول التعددية ، بل باركت كل خطوة سلطوية غاشمة استهدفت الإسلاميين سواء بالسجن أو القتل أو الإعدام ، وتكفلت لها السلطة بتفريغ الساحة من كل المناوئين لها وتركتهم يمرحون ويسرحون فى وسائل الإعلام والثقافة والتعليم بل والأوقاف !! ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً فى إيجاد موضع القدم الذى يبحثون عنه . بل إن تاريخ المنطقة العربية والإسلامية بعد ثورات التحرير فى منتصف القرن الماضي كان نموذجاَ صارخاً فى التحالف السلطوي مع الأصوات العلمانية لمصادرة مشروع النهضة الإسلامى وسحق المنتمين إليه ، حدث هذا فى مصر بعد تحالف الشيوعيين مع عبد الناصر ، وفى تونس بعد تحالف النخب العلمانية مع الحبيب بورقيبة ، والجزائر التى كانت ثورتها ضد الاحتلال الفرنسي ثورة إسلامية وطنية وما أن رحل المستعمر الفرنسي إلا وتحالفت النخب العلمانية والفرانكفونية مع السلطة الغاشمة لسحق الصوت الإسلامية وتغييب البعد الحضاري للشعب الجزائري .... ولم تتورع العلمانية الجزائرية فى التحالف مع الجيش للقيام بالانقلاب الشهير عام 1990 بعد الفوز الساحق لجبهة الإنقاذ الجزائرية فى الانتخابات التشريعية كما حدث وبصور صارخة فى تركيا التى كانت مثالاً للأصولية العلمانية الغاشمة التى أسست وجودها على حماية الجيش التركي لها ولم يتورع الجيش التركي عن استخدام " بيادته " الثقيلة لسحق كل من تسول له نفسه أن يشرأب بعنقه ناحية الإسلام ، أو من تحدثه نفسه مجرد حديث بالحنين إلى الإسلام. ففي مايو 1960 دبر ضباط وطلاب عسكريون من اسطنبول وأنقرة انقلاباً للمطالبة باصطلاحات سياسية ، أعدم على خلفيتها ثلاثة وزراء سابقين من بينهم رئيس الوزراء عدنان مندريس والذي تردد حينها أن خطيئة مندريس الكبرى غير المعلنة آنذاك هي سماحه بعودة الآذان باللغة العربية بدلاً من التركية التى فرضها أتاتورك وهو الأمر الذى نظر إليه الجيش على أنه خروج على العلمانية الأتاتوركية . وفى يونيو 1997 اتهم معارضو رئيس الوزراء نجم الدين أربكان رئيس الوزراء بأنه يمثل خطرا على النظام العلماني للبلاد وضغط الجيش بكل ثقله وأرسل رسائل لأربكان – رحمه الله - تحذره من مغبة الاستمرار فى منصبه فاضطر أربكان إلى الاستقالة . واليوم فى مصر تبحث بعض الأصوات العلمانية عن " حد السيف " مرة أخرى كي يؤمن لها البقاء بعد أن شعرت أن بقاءها بات فى خطر بعد رفع الغطاء السلطوي ، وبعد أن عاد الاختيار للشعب وباتت صناديق الاقتراع هي الحكم والفيصل بعد ذلك .. وهذا ما يفسر لنا بكل وضوح إصرارهم على جعل " الجيش " حاضراً وبقوة فى الحياة السياسية فقد ذاقوا معنى " اليتم " بعد رحيل الآباء الرعاة مع زوال الدولة السلطوية . وكتب بعضهم ذات مرة محرضاً على التيار الإسلامى قائلاً : " لذلك يتعين أن يستيقظ كل الراغبين فى إقامة دولة مدنية ديمقراطية حقيقية وينتبهوا إلى هذا الخطر .. يتعين أن يتخلصوا أولا من هذه الرومانسية الحالمة التى يتعاملون بها مع التيارات والجماعات الدينية بدعوى عدم تكرار تعامل النظام السابق معهم كفزاعة سياسية " وهكذا فإن العلمانية بعد رفع غطاء الحماية السلطوي الغاشم وجدت نفسها لأول مرة أمام اختبار العمل الجماهيري الذى استغنت عنه لعقود طويلة لصالح الاستيلاء على منابر الإعلام والثقافة فهل يمكنها أن تعدل من أوضاعها استجابة لتطورات الأحداث وتغير الأوضاع .. أم تظل تبحث عن طريق جديد تستنسخ فيه " حد السيف " و " قهر السلطة " عبر الوثائق " الفوقية " والألاعيب " السفلية " . [email protected]