يبدو أن المشهد الذى رأيناه عقب الثورة من هرولة التيارات الإسلامية صوب بعضها البعض والتأكيد المتكرر على أن عصر الانقسامات والتطاحن لن يعود ثانية فقد ذهب نظام مبارك إلى غير رجعة والذى لعب دوراً رئيساً فى تعميق هوة الخلاف بين أطياف الحركة الإسلامية . يبدو أنها كانت أمنيات لم تستمر طويلاً إذ سرعان ما عادت الخلافات تضرب الحركة الإسلامية فى مقتل فى وقت نحن فى أمس الحاجة فيه إلى التآلف والتآزر مواجهة للأخطار الحقيقية التى تواجه مسيرة الأمة المصرية وثورتها العظيمة والتى دخلت منعطفاً خطراً يهدد بانتكاساتها ولن يدفع الثمن يومئذ إلا الإسلاميون كما ظلوا يدفعونه لحوالى ستة عقود من الزمان فقد ضربت الخلافات التحالف الديمقراطى والذى يقوده حزب الحرية والعدالة بعنف فى الأيام الماضية مما أدى إلى انسحاب العديد من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية واتجاهها إلى تشكيل تحالف جديد لها إضافة إلى حزب الوسط مما يعنى أن الناخب سيصبح أمام قائمتين تدعان استلهام المرجعية الإسلامية فى برامجها وكل قائمة ستؤكد على دورها الأصيل فى المحافظة على هوية البلاد الإسلامية والعربية . هذه الخلافات أدت إلى حدوث حالة من التراشق اللفظى بين جميع الأطراف ما كنا نود أن نسمعها وللأسف فإن حدوثها بهذه الصورة التى سمعناها من خلال قيادات بارزة يفترض فيها الحكمة والتعقل يعنى أن قواعد هذه الأحزاب تتلمظ غيظاً مما ينبئنا بموسم انتخابى حامى الوطيس ولكن بين الإسلاميين بعضهم البعض والذى قد يصل إلى مرحلة تكسير العظام والتى ستؤدى بدورها إلى صعود التيارات الليبرالية واليسارية ليس بسبب جماهيريتها وقوتها ولكن بسبب التنازع والتشاحن بين فرقاء يعلمون علم اليقين قيمة اجتماع الكلمة وتصافى النفوس فسنن الله لا تحابى أحداً كائناً من كان . ولا يعنيني هنا تمحيص محل الخلاف ومعرفة المخطىء من المصيب هل هو حزب الحرية و العدالة بمحاولته الاستئثار بأكبر عدد من مقاعد التحالف الديمقراطى كما تقول الأحزاب الأخرى أم هى رغبة هذه الأحزاب فى استغلال التحالف كسلم تحقق من خلاله ما لا تستطيع تحقيقه بمفردها نظراً لحداثة عملها بالسياسية أو ضعف إمكاناتها البشرية والمادية ؟!! ولكن ما أود التركيز عليه الآن هو أننا فى مرحلة لا تتحمل مثل هذه " الرفاهية " الخلافية والتى قد تكون مقبولة فى مرحلة تالية بعد استقرار الدولة المصرية ووضع دستورها ومعرفة " راسنا من رجلينا " كما يقال أما الآن ومازال الخلاف محتدماً فى أرجاء الوطن حول هوية مصر ودور الإسلام فى مستقبلها فأظن أنه من العار أن نختلف حول " مقاعد " وتوزيع " غنائم " ووجودنا مهدد من أساسه ، فى الوقت الذى تحتاج فيه هذه التحديات إلى كل هذه الجهود ولكن إذا أحسنت توزيع نفسها على كل المواقع . فبناء مصر الحديثة لن يكون من خلال البرلمان وفقط فهو موقع مهم ولكنه ليس الأهم فالمواطن المصرى يحتاج إلى من يعيد إليه منظومة الأخلاق والقيم التى تعرضت للتجريف على مدار الثلاثين سنة الماضية ، كما يحتاج إلى من يساعده فى مواجهة أعباء الحياة وقد اشتد الفقر بمعظم أبنائه ، ويحتاج إلى من يساعده فى توفير علاجه .. وملبسه .. وبالجملة فهو يحتاج إلى صدر حنون يعوضه عن " البهدلة " التى تعرض لها من النظام السابق فمن لهذه المهام الجسام ؟!! لنفترض أن حزب الحرية والعدالة أخطأ بإقصائه الأحزاب الإسلامية الأخرى كما يقال ألم يكن من التجرد لله تعالى أن نعترف أن هذه الآفة موجودة داخلنا جميعاً بلا استثناء وأننا جميعاً نحاول أن نقصى المخالف معنا فى الرأى والتوجه حتى داخل الفصيل الواحد ؟ ألم يكن من الممكن أن نترك هذا الميدان لحزب الحرية والعدالة منعاً للتباغض والتشاحن الموجود الآن والذى سيتنامى فى الأيام القادمة بفعل التلاسن الحادث الآن ؟ وأن تتجه هذه الأحزاب للضرب بسهم وافر فى ميدان آخر وتحشد الجماهير خلف إخوانها فى الحرية والعدالة حتى تمر مصر من هذه المرحلة الدقيقة الصعبة ؟ بل وتنتهز هذه الفرصة لإعداد كوادرها لانتخابات المحليات القادمة والتى لن تقل أهمية عن انتخابات البرلمان . ولا ينبغى عليها أن تدعى أن لديها برامج ورؤى تريد تحقيقها إذ الناظر فى برامج الأحزاب الإسلامية سيجد أنها لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض فهى فى مجملها عبارة عن عموميات وخطوط عريضة من عينة " النهضة بالتعليم " و " إصلاح الصحة " و " تطوير الاقتصاد " ... إلخ دون وضع برامج تفصيلية والتى ستعد بمثابة علامات فارقة بين أداءات الأحزاب المختلفة فى المستقبل ، بل إن تشابه البرامج لا يقتصر على الأحزاب الإسلامية وحدها بل لعله يشمل جميع الأحزاب تقريباً فبرنامج حزب التجمع مثلا وهو حزب يسارى معروف لو نزعنا من برنامجه عدة أسطر قليلة لصلح كبرنامج لحزب إسلامى !! كما أذكر هنا بأن حزب الحرية والعدالة له خبرات كبيرة فى العمل الحزبى والبرلمانى لم يستفدها من قراءة الكتب ومطالعة الجرائد بل من الممارسة عبر سنوات طويلة وهى ميزة لم تتوفر حتى الآن لبقية الأحزاب الإسلامية التى ظل قسم كبير منها يحرم العمل الحزبى ودخول مجلس الشعب إلى وقت ليس بالبعيد !! إننى عندما أطرح هذا الطرح فإنما أحاول تجنب الأسوأ الذى قد يدهم الإسلاميين جميعاً جراء هذا التطاحن والتلاسن فى الوقت الذى أؤكد فيه أننى لم أنتم يوماً لجماعة الإخوان المسلمين ولست عضواً فى حزب الحرية والعدالة ، وأؤمن بحق الجميع فى التنافس بلا قيد ولكن واجب الوقت يفرض علينا أن نضحى بحظوظ أنفسنا من أجل مصالح الإسلام العليا كما أن انتماءنا للإسلام يفرض علينا قيماً كثيرة للأسف نسيت وسط زحمة تنظيرات وتقعيدات ما أنزل الله بها من سلطان !! [email protected]