"أم حسن" من مسح الأحذية ل"قصر الاتحادية" رحمة: "مبحبش أصعب على حد" الطفلة التى دفعتها دموع أمها لتكون ربة أسرة أرادوا أن يقتبسا من الحياة، بسمة أمل تجعلهم يعيشون بكرامة دون أن تمتد أيديهم وتطلب المعونة من المقتدرين، ضعفاء أنهكتهم مصاعب الحياة وظروفها، فخرجوا إلى الشارع باحثين عن قوت يومهم وتوفير حياة كريمة لذويهم، رغم اختلاف أعمارهم وظروفهم وما آل إليه حالهم إلا أنهم سيظلون ضعفاء لا يملكون من القوة شيء إلا الإرادة, تلك التى جعلتهم ينحتون فى الصخر كى لا يذهب ماء وجوههم وأيدهم ممتدة للمارة. حالتان متشابهتان رغم اختلافهما، فالأولى امرأة تبلغ من العمر"خمسين عامًا" مات عنها زوجها وترك لها 4 أمانات حٌملت بهم فحملتهم وأخذت الأمانة فحفظتها. لن تسعفنا مفردات اللغة فى وصف معاناة سيدة تواجه الحياة وحدها بأربعة أطفال كلهم فى أعمار متقاربة، لا وظيفة تضمن لها حياة ولا ميراث تنفق منه عليهن ولا خبرة تؤهلها للبحث عن عمل. والثانية طفلة لم تتجاوز الثامنة من عمرها، حملت الهم قبل أن يشتد لها ساعد فحملته بيدين ضعيفتان وقلب مازال ينبض رغم ما به من ألم. "أم حسن" كانت هيئتها ووجودها بمنطقة مزلقان أرض اللواء، مثيرة للدهشة وللعجب امرأة فى العقد السادس من العمر تعمل ماسحة أحذية, "وضعها - حالتها - مهنتها" كلها مثيرة للعجب وتخبر عن أمر ما, كانت تجذب انتباه المارين بتلك المنطقة التى تجلس فيها وهى تضع أمامها صندوق متوسط الحجم وفرشاه وأدوات مسح الأحذية، منظرها مثير للدهشة والشفقة أيضًا، يجعلك حتى وإن لم تكن تمتهن مهنة البحث عن المتاعب تتساءل ما وراؤها؟ سيدة تعمل ماسحة أحذية و يا له من عمل يصعب على أى امرأة كانت يومًا تحلم بحياة منعمة، ببيت فسيح ورزق يسير.. ولأن دائمًا ما تكون الصورة عن قرب أوضح توجهنا إليها لتفاجئنا بحكايتها التى لا تقل غرابة عن الأفلام السينمائية. تقول "أم حسن"، السيدة البسيطة التى لا تفارق الابتسامة وجهها، وتتحدث بقوة مؤمنة بكل حرف تنطقه، متفائلة دائمًا ولديها أمل أكبر فى الغد، "دخلت كلية الخدمة الاجتماعية "تعليم مفتوح" وهكمل تعليمى إن شاء الله حتى أحصل على الماجستير ولن تتوقف أحلامى عند هذا الحد ولكنى سأكمل المسيرة حتى أحصل على الدكتوراه", وتستطرد الحاجة سيدة ورنيش الإرادة، قصتها قائلة، لدى 5 من الأبناء بنت فى كلية تمريض، والأخرى فى سياحة وفنادق، وولد فى اقتصاد وعلوم سياسية، والآخر فى هندسة، وأصغرهم فى مرحلة الثانوية العامة. وتضيف أم حسن، "توفى زوجى بعد أن أنجبت منه 5 أطفال 3 أولاد وبنتين وذى أى واحدة ملقتش شغل ولا وظيفة فقررت اشتغل أى شغلانة والسلام أجيب بيها رزق لعيالى الأربعة وبعد محاولات كتير قررت أشتغل ماسحة أحذية "، "شغلانة حلال بجيب منها رزق لعيالي، والشغل مش عيب مدام بنجيب منه لقمة حلال" والحمد لله كبرت وربيت عيالى وكلهم فى مراحل التعليم" . وبسؤالنا كيف فكرت أن تعمل كماسحة أحذية، خاصة وأنها قد لا تكون مهنة معهودة للنساء، أجابت الحاجة أمال ببشاشة وجه وبأسلوب مختصر.." بعد وفاة زوجى -الله يرحمه- كنت واقفة فى البلكونة بفكر فى حال عيالى بعد ما راح سندهم وسندى من الدنيا وأنا فى حالتى دى عدى من قدام البيت ماسح أحذية ساعتها، مخدتش وقت فى التفكير وده لأن المهنة مش هتحتاج رأس مال كلها أدوات بسيطة أقدر اشتريها روحت نزلت من البيت وخدت جزمة من بتوع عيالى وطلبت من ماسح الأحذية يعرفنى بيشتغل أزاى واتعلمت منه واشتريت الأدوات وتوكلت على الله وبدأت أفرش على مزلقان كوبرى الخشب، ومنها قدرت أربى عيالى وأعلمهم وأتعلم أنا كمان وادخل الجامعة". وتصف الحاجة "أمال"، موقف أبنائها من كونها تعمل كماسحة أحذية قائلة "علبة الورنيش" والفرشة هما اللى ربوهم وخلوهم بنى آدميين وبكرة ربنا هيكرمكهم وهيكونوا أفضل ناس فى الدنيا علشان أتصرف عليهم وأتربوا من الحلال, وكلهم بيقولولى أنهم بعد ما يخلصوا تعلمهم هيكملوا مسيرة الكفاح". وتصف صاحبة ورنيش السعادة، شعورها عندما كرمت كأم مثالية من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، داخل أروقة قصر الاتحادية قائلة: "كنت فى غاية السعادة حسيت لحظتها إن تعبى على عيالى مرحش بلاش، وإن مجهودى ربنا كلله بالفرح بعد تكريمى وتربية عيالى وتعليمهم أحسن تعليم. وفى النافذة المجاورة لسيدة ورنيش الإرادة، يأتى نموذج آخر من الكفاح، مع اختلاف الأعمار، فهذه هى الطفلة "رحمة"، التى لم تتجاوز من العمر سوى 9سنوات، والتى تملك من عزة النفس ما يمنعها من أن تقبل صدقة أو إحسان من أحد, دائمًا تجلس رحمة أمام محطة مترو الدقي، وأمامها كتاب وكراس تذاكر دروسها وتبيع المناديل. الطفلة التى أصبحت ربة منزل "رحمة"، تعمل ولكن دون أن تنطق لا تستعطف المارين ولا تلقى ببعض الكلمات شارحة حالها لجلب المال، والأكثر من ذلك رفضها المستميت إذا ما حاول أحد إعطاءها نقودًا دون أن يشترى منها المناديل. ولكى يصبح المشهد أكثر وضوحًا توجهنا إليها لنعرف قصتها.. وتقول الطفلة: "خرجت أعمل بمحطات المترو بدلًا من والدتى من أجل النفقة على أخوتي. بشترى المناديل فى الصبح بعد ما بخلص المدرسة وبحطها فى الشنطة وبروح المترو أبيعها وبعد ما بخلص البيع بطلع مكسبى وبشترى أكل لأمى وأخواتى وأروح. وتستكمل رحمة قصة كفاحها، "مات أبويا بعد ما أتولدت وتربيت يتيمة أمى أدخلتنى المدرسة علشان أتعلم وهى كانت بتشتغل فى البيوت وتمسح سلالم العمارات علشان تصرف على أنا وأخواتى وفى مرة كانت أمى بتمسح سلم عمارة وقعت ورجلها أتكسرت ومبقتش تقدر تمشى عليها كويس بعدها نزلت أنا اشتغل علشان أصرف عليهم". واختتمت "رحمة"، حديثها بعد سؤالنا عن رفضها تقبل النقود دون شراء المناديل "أنا مبحبش أصعب على حد أن بشتغل وبصرف على أهلى بالحلال بعد ما شوفت قهرة ودموع أمى لما رجلها اتكسرت وعرفت أنها مش هتعرف تشتغل تاني".