عندما تستعرض شريط حياتك تلاحظ أنه من بين عشرات ومئات الأشخاص الذين مروا بك ومررت بهم هناك عدد قليل هم الذين قاموا بأدوار هامة في حياتك ، لقد أدوا أدوار البطولة في الشريط الذي تستعرضه في مخيلتك. تقول أحدث الدراسات النفسية أن في حياة كل إنسان ما لا يزيد عن خمسة أشخاص كان لهم دور هام في تكوين شخصيته والتأثير على نفسيته وتحديد اتجاهاته طوال عمره. هؤلاء الأشخاص تركوا بصمات غائرة في روحه وعقله وأسهمت أصابعهم في تشكيل الصلصال اللين حتى أصبح له تكوينه المميز الذي تزيده الأيام صلابة، ولا تجدي محاولات تغييره فيما بعد مهما كانت مهارة الأصابع بعد أن جف وتجمد واتخذ شكله النهائي. هؤلاء الأشخاص هم عادة الأب والأم وشريك الحياة والمعلم أو الأستاذ أو الشيخ الذي ارتبط به الإنسان، هؤلاء أربعة، أما الشخص الخامس فهو أكثرهم أهمية وعليه يتوقف مدى تأثير هؤلاء الأشخاص ، إنه أنت نفسك .. أسلوبك في التلقي تتوقف عليه النتيجة. عندما يقوم الوالدين بتدليل الطفل وإغداق الحب والحنان عليه فقد يتلقى هذا الحنان ويختزنه ثم يفيض به على الآخرين ويرد جزءا كبيرا منه لأبويه في شيخوختهما وتمتلىءأ نفسه بالثقة والحب للجميع ، وقد يحدث النقيض فيتلفه التدليل ويعتقد أن الحياة لابد أن تستجيب له وتخضع لنزواته ويدمر كل شيء، الأمر إذن يتوقف على استجابته. كذلك في حالة القسوة أو الحرمان من الوالدين أو الظروف السيئة بصفة عامة فقد تؤدي إلى الصلابة الداخلية والتفاؤل بأن المستقبل سيكون أفضل والاجتهاد في سبيل ذلك فينشأ المرء نشأة عصامية إيجابية ناجحة وقد يحدث العكس فيضعف وينكسر أمام قسوة الظروف ويرتمي في أحضان رفاق السوء حتى يضيع تماما، الأمر أيضا يتوقف على استجابته في كل الأحوال يثور تساؤل : ما هي أهمية استعراض شريط الماضي والنظر إلى الخلف؟ يمكن القول أنه نوع من إعادة ترتيب الداخل وتصفية النفس والتخلص من المهملات وإضاءة مخزن الذكريات لكي يصبح ذخيرة دافعة للأمام، وليس وكرا ترتع فيه الأفاعي والقوارض التي تطل برأسها كلما استطاعت لتفسد علينا الحاضر وتهدد المستقبل. وليتم ذلك علينا التخلص من بعض الاعتقادات الخاطئة التي تمثل فيروسات إدراكية تشوه الصورة لدينا وتعوق نمونا النفسي والاجتماعي والروحي. لندرك أولا أن "جناية الآباء على الأبناء" خرافة ووهم وأن مقولة "الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون" غير واقعية ولا عملية فمن يأكل الحصرم يضرس وحده ولا شأن لأبنائه بما في فمه كما أن التأثير على حياتك يتم بمستويات متعددة، فإذا تحليت بالصلابة الداخلية فلن تستطيع أسوأ الأحداث أن تخترق مناعتك النفسية ولن تنكسر أمام أعتي المشكلات بل ستنطبق عليك مقولة نقبلها ونشجعها وهي "ما لا يقتلني يقويني". كذلك فإن تقسيم الناس والأحداث إلى حسن وقبيح أو جيد وسيء هو تقسيم سطحي عبثي فلكل حقيقة وجوه عدة وكما قلنا الأمر يتوقف على الاستجابة. يتطلب قانون التحدي والاستجابة أن تكون هناك عقبات ومصاعب تواجة الإنسان لتستفز طموحه وتستفز إرادته لمواجهتها والتغلب عليها، أما إذا مرت بنا الحياة سهلة رخوة هنية فإننا سنركن للتواكل والسلبية. انظر إلى الوراء في تسامح وتصالح مع أبطال حياتك ورموزها أعد قراءة تاريخك وركز على الجوانب الإيجابية فيه أما الجوانب السلبية فهي الحصى والزلط الذي يقوي ابتلاعه المعدة ولا يؤذيها. وكما يؤكد الواقع فإن المحور الأساسي والعلامة الفارقة التي تميز تاريخك هو أنت نفسك، فأنت الذي تتلقى الأحداث وتعيد صياغتها وفرزها وبإمكانك استخلاص أفضل ما فيها وتنقيتها من الشوائب والأدران وإعادة بثها نقية رائقة، وعندما تتولى أنت مقاليد الأمور تجنب أخطاء الماضي وأعط لمن حولك أفضل مما أخذت وأجعل بصماتك على الآخرين خيرة إيجابية دائما.