استكمالا لمقال الأسبوع الماضي يجب أن نوضح أن حجب جميع أشكال الاتصال بالإنترنت يعد شكل متطرف من الرقابة. ولكن، وبما أن الحكومات تملك البنية التحتية للإنترنت أو تتحكم بها في معظم دول الشرق الأوسط، فبإمكان هذه الحكومات إغلاق الانترنت عندما ترى لذلك ضرورة فعلى سبيل المثال، تم إغلاق الانترنت لمدة أسبوع خلال ثورة 25 يناير وقامت الحكومة السورية بشيء من هذا القبيل بعد ذلك. ومع ذلك يبقى من غير الوارد حدوث هذا النوع من الرقابة كثيراً وذلك بسبب الآثار المالية الهائلة التي تنتج عن إغلاق الانترنت - وتوجد وسائل أخرى عديدة لممارسة الرقابة على محتوى الانترنت، وعادة ما يكون لشركات الانترنت سياساتها الخاصة لمراقبة المحتوى، كما هو الحال، على سبيل المثال، في موقع فيس بوك، الذي يفرض رقابة نشطة على مستخدميه فيما يتعلق بالعري، والعبارات العدائية والعنصرية، والتمييز. وطبعاً يكمن الخطر هنا في أن فيس بوك نفسه هو من يقرر طبيعة المواد التي تقع ضمن هذه الفئات الممنوعة. ولأن الحجب يبدو عادة وكأنه خلل تقني أو مشكلة في الاتصال، فمن الصعب معرفة ما إن كنتم تتعرضون بالفعل للرقابة وتحديد التقنية المستخدمة لمراقبة نشاطكم كما أنه لا يكون من الواضح عادةً من هو المسؤول عن هذه الرقابة: الحكومة، أم مزود خدمة الانترنت، أم المخدم المحلي مثل مدرستكم أو مقهى الانترنت الذي تستخدمونه، مما يجعل من الصعب التحايل على هذه الرقابة دون إجراء بحث دقيق وتفصيلي لتحديد المشكلة والحل المطلوب لمواجهتها، وعلاوة على ذلك، لا توجد حلول عامة تنفع في جميع الحالات .
وفي إطار تطوير استراتيجية النظام المصري من مستوى الرقابة المحدودة إلى المراقبة الشاملة لأنشطة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ومحادثاتهم ومراسلاتهم الشخصية، أعلنت الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية عن إجراء مناقصة بطريقة الممارسة المحدودة بهدف توريد وتشغيل برمجيات تهدف إلى مراقبة النشاط الرقمي على شبكة الإنترنت جاء المشروع الذي أعلنت عنه الوزارة تحت عنوان "مشروع رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي- منظومة قياس الرأي العام" والذي أعلن عنه بتاريخ 2014/6/1من خلال تقرير نشرته صحيفة الوطن المصرية ولم تنكر وزارة الداخلية ما نشرته الصحيفة، بل أكد أحد قيادتها في اتصال هاتفي مع إحدى القنوات التليفزيونية صحة الخبر المنشور، على الرغم من دفاعه المستميت عن عدم مساس هذا المشروع بخصوصيات الأفراد أو حقهم في المعرفة أو التعبير.
ولقد أثارت هذه المعلومات غضب وقلق النشطاء المصريين خاصة مع تزامن الإعلان عن هذا المشروع مع انتهاء الانتخابات الرئاسية في مصر، وقبل الإعلان رسميا عن نتيجتها، وجاء رد الفعل من جانب النشطاء ساخراً كالعادة بإنشاء "هاشتاج" على موقعي تويتر وفيسبوك بعنوان "إحنا متراقبين" - تلا ذلك قرار بعض النشطاء والمنظمات الحقوقية مقاضاة وزارة الداخلية على إثر هذا الإعلان بأن أقاموا الدعوى القضائية رقم 63055 لسنة 68 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري - بعد ذلك نشرت بعض الصحف أن وزارة الداخلية تعاقدت بالفعل مع شركة "مصر للنظم الهندسية" التي قيل إنها فازت بالمناقصة وهي شركة تابعة لشركة أمريكية تسمى Blue Coat متخصصة في تكنولوجيا المراقبة والتجسس، وقد كان للشركة المصرية سابقة في التعامل مع جهاز أمن الدولة المصري. وقد أدى تداول الصحف لهذه الأخبار أن قامت الشركة بحجب موقعها على الانترنت مؤقتاً. من ناحية أخرى نشرت صحف أخرى على لسان مسؤولين بوزارة الداخلية توقيع هذا التعاقد.
كشف حكم محكمة القضاء الإداري الصادر عام 2011 في قضية قطع الاتصالات خلال أحداث ثورة 25 يناير أن تلك لم تكن المرة الأولى لتخطي حدود الرقابة الإلكترونية إلى المراقبة الشاملة حيث أوضح أن هناك محاولات للمراقبة بدأت وفقاً لأقل التقديرات عام 2008 عندما قامت وزارات الداخلية والاتصالات والإعلام بمشاركة شركات المحمول بإجراء بعض تجارب المراقبة كانت إحداها في 6 أبريل عام 2008 - والأخرى في 10 أكتوبر 2010 وقد استهدفت التجربتين قطع الاتصالات عن مصر وكيفية حجب بعض المواقع الرقمية، وأسلوب منع الدخول على شبكة الإنترنت "لمدينة أو لمحافظة أو لعدة محافظات"، وكذلك إبطاء مواقع رقمية محددة، ووضع خطة لسرعة الحصول على بيانات مستخدمي الشبكة عقب استخدامها خلال فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر. (يتبع الأسبوع القادم)
دكتور/ أحمد مهران دكتور القانون العام مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية و القانونية