بعد غد الخميس تستقبل القاهرة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في زيارة مهمة ، أهم ما فيها هو التوقيت ، حيث تشهد العديد من الملفات الخطيرة والحساسة في المنطقة منعطفا حاسما يستدعي ترتيب الأوراق من جديد ، وخاصة في الملفين : السوري واليمني ، وقد رحب الإعلام السعودي باستثناءات نادرة بالزيارة بروح عاطفية فضفاضة دون التطرق إلى أي ملف أو مغزى محدد ، ربما لوجود رأي عام واسع في المملكة غير راض على السياسات المصرية الحالية وتقديرها لمتطلبات الأمن القومي السعودي ، إضافة للإحباط من مسارات السياسة الرسمية في مصر بشكل عام والأزمات الاقتصادية والأمنية المتوالية . مصر والسعودية هي من دول المركز بالنسبة للمنطقة العربية ، وفي ظل حالة التمزق التي تعيشها أكثر من دولة كبيرة ، مثل العراق وسوريا وكذلك اليمن ، فإن العلاقات بين مصر والسعودية كمراكز ثقل تزداد أهميتها ويزداد حرص كل أطرافها على إبعادها عن أي مخاطر مهما كانت الخلافات في وجهات النظر ، ولذلك تحرص السعودية كثيرا على "تبريد" أي خلاف سياسي مع مصر ، خاصة في تلك المرحلة ، وكذلك تحرص مصر على توثيق علاقاتها مع المملكة ، ليس فقط للاحتياج للدعم السعودي للاقتصاد ، وإنما لأن مصر تعرف أن خسارة السعودية تعني خسارة الخليج العربي بكامله ، لأن السعودية بمثابة "الأخ الأكبر" لبقية دول الخليج ، إضافة إلى وجود اتفاقيات متعددة بين دول مجلس التعاون تجعل القرار شبه واحد خاصة في السياسة الخارجية ، وكان الموقف من ملف "حزب الله" اللبناني واضحا للغاية ، كنموذج على أن الرياض أصبحت عاصمة القرار بالفعل ، عندما قررت السعودية إدراجه في قائمة المنظمات الإرهابية ، وهو الموقف الذي ما زالت مصر مترددة في الاعتراف به أو العمل وفقه . هناك تسوية سياسية تعمل الرياض على إنضاجها في اليمن ، ويبدو أن فصولها تقترب من نهايتها ، ولا يمكن إبعاد القرارات الأخيرة في رأس السلطة باليمن عن تلك الترتيبات ، والتسويات السياسية لن تشمل "الحوثيين" وحدهم ، وإنما تشمل أيضا التجمع اليمني للإصلاح ، الذراع السياسي للإخوان أصحاب الحضور القوي هناك ، وإذا كانت القاهرة تحتفظ بعلاقات خاصة مع الحوثيين على مدار السنوات الماضية ، إلا أنها تحمل رفضا كاملا لأي دور للإخوان في المنطقة ، وهو أمر لا بد من تفكيكه ، وكان تصعيد اللواء على محسن الأحمر نائبا لرئيس الجمهورية هذا الأسبوع ، وهو الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع الإخوان ومجمل التيار الإسلامي في اليمن مؤشرا على وجهة التسوية الجديدة ، وملف اليمن سيكون ثالث ملف يضغط على صانع القرار المصري فيما يتعلق بالعلاقة مع الإخوان ، بعد ملف غزة الذي ما زال ملتبسا ومربكا بين الأجهزة المصرية المختلفة ، وملف ليبيا حيث بدأت الحكومة الجديدة المدعومة دوليا مباشرة مهامها من طرابلس ويتمثل فيها الإخوان والتيار الإسلامي بوضوح ، ومصر بحاجة إلى ابداء مرونة كافية في تلك الملفات إذا كانت تريد أن تتفادى عزلة إقليمية ودولية ، وأعتقد أن هذا الملف سيكون على رأس الملفات التي يناقشها العاهل السعودي مع القيادة المصرية . العلاقات المصرية التركية أيضا ستكون في صلب الحوار ، لأن الخلاف الحاد بين تركيا ومصر يمثل أزمة للمملكة ذاتها ، التي تحرص على وجود تحالف "سني" قوي يواجه التمدد الطائفي الإيراني في المنطقة ، ووجود تركيا بكل تأكيد يمثل دعما قويا لهذا التحالف ، والسعودية قطعت شوطا كبيرا في توثيق علاقاتها الاستراتيجية مع تركيا ، سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، وبالتالي سيكون على القيادة المصرية أن تتعاطى مع هذا التطور بصورة مختلفة ، وهو ملف أكثر تعقيدا من ملف اليمن ، لأنه يتعلق بإخوان مصر تحديدا ، حيث يتخذون من تركيا مقرا لنشاطهم المعارض ، سياسيا وإعلاميا ، للقاهرة ، كما أن مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالغة العنف تجاه القيادة المصرية الحالية ، غير أن ما يساعد على حلحلة هذا الملف أن الأتراك لديهم من المرونة والخبرة السياسية ما يكفي للوصول إلى نقطة اتفاق ، لكن سيبقى السؤال عما إذا كان هناك في القاهرة المترعة بالتشنج والارتباك ، من هو قادر على التعامل بعقلانية سياسية مع هذا الملف ، ولم يعد خافيا أن المملكة تقوم بدور كبير وصبور لإنجاز تلك المصالحة المصرية التركية ، وبالتالي لنا أن نتصور أنها من الملفات الرئيسية التي يشملها حوار العاهل السعودي في مصر . ويبقى الملف السوري الأكثر حساسية بالنسبة للسعودية ، فهو بالنسبة لها موقف فاصل ، ولا يقبل حلولا وسطا فيما يخص إنهاء نظام بشار الأسد الموالي لإيران ، وملاحقة نفوذ إيران في المنطقة وخاصة لبنان ، والموقف المصري مائع جدا في ما يتعلق بالمنظمات الشيعية المتطرفة مثل حزب الله في لبنان والميليشيات العراقية الأخرى ، كما أن موقف مصر من نظام بشار لا يتسق مع الموقف السعودي بأي معيار ، بل ربما معاند له في الواقع ، وباقتراب السعودية من إنهاء الملف اليمني سيكون كل تركيزها على الملف السوري ، وحشد موقف عربي قوي وحاسم لإنهاء نظام بشار وتمكين الشعب السوري من اختيار قيادة جديدة باختيار حر وإعادة بناء البلاد التي دمرها عناد ودموية بشار وأجهزته القمعية وولاءاته الطائفية بصورة لم يسبق لها مثيل لدولة عربية . العاهل السعودي يأتي إلى مصر للوصول إلى نقاط اتفاق محددة ، فهي ليست زيارة مجاملة ، فليس هذا وقت المجاملات ، وبالتالي فالتعامل "الجدي" البعيد عن الفهلوة هو وحده الذي يمكن أن يقبله الضيوف ، وأما فيما يخص الملف الاقتصادي فالظروف في المملكة لا تسمح بالسخاء القديم ، كما أن المعروف عن الملك سلمان أنه دقيق جدا فيما يتعلق بالإنفاق بشكل عام ، وقد لاحظت أن الوفد الاقتصادي للمملكة محدود ويتمثل في وزير التجارة والصناعة أو من ينيبه حسب توضيح المراجع السعودية ، والحديث حتى الآن عن "مذكرات تفاهم" ، ولكن المملكة أيا كانت نتيجة الزيارة ستبقي على دعمها الحالي لمصر في مجال الوقود والطاقة ، وهو يوفر عمليا مليارات الدولارات على الخزينة المصرية سنويا ، لأن السعودية ليس من مصلحتها أن ترتبك الأمور أكثر في مصر أو تقع اضطرابات خارج السيطرة ، لأن عواقب ذلك على المنطقة كلها خطيرة للغاية ، بغض النظر عن موقفها من النظام السياسي .