ألقى الباحث جان لاشبيل زميل كلية "هارفارد كينيدى"، الضوء على العلاقة بين طبيعة بحث الطالب الإيطالي جوليو ريجينى ومقتله فى مصر، ليكون أول جريمة قتل أمنية متعمدة لباحث أجنبي من "جمعية دراسات الشرق الأوسط" والتي حذرت أعضاءها مؤخرا من السفر لمصر. وأضاف الباحث فى مقالته بصحيفة واشنطن بوست التى كتبها تحت عنوان "لماذا رأى الأمن المصرى جوليو ريجينى؟"، بأن جوليو ريجيني، المواطن الإيطالي، وطالب الدكتوراه بجامعة كامبريدج، كان يدرس الحركات العمالية المصرية وفُقد أي أثر لريجينى فى 25 يناير، الذكرى الخامسة لانتفاضة 2011، قبل أن يتم العثور على جثته، بعظام مكسورة، وعلامات حروق وصعق كهربائي. وتطرق لاشبيل إلى تفسير هذه الإصابات على أنها مؤشرات لتعرضه للتعذيب، وتشبه ما تعرض له العديد من المصريين فى مواجهة القوات الأمنية. وتابع لاشبيل لقد كان بحثه يتعلق بالنقابات المهنية المستقلة، وهو موضوع لا يضر فى بلد لا يتسم فيه اليسار بالضعف فحسب، ولكن بالعداء تجاه الإخوان المسلمين، الغريم الرئيسى للنظام.
وأشار لاشبيل إلى أن موت ريجينى يلقى الضوء على الصعوبات المتعلقة بالسلامة فى ظل المناخ الحالى الأمر الذى يمكن للباحثين تخفيف المخاوف عبر تحاشى الأنشطة التى يمكن أن تحمل طابعا سياسيا أو تعبويا. كما ألمح لاشبيل إلى إن ريجينى استثمر بشكل شخصى من قضايا العمال، عبر كتابة تقارير ناقدة لنظام السيسى فى صحيفة إيطالية لتكون أحد تلك التقارير، الذى نشر بعد وفاته، يقدم تحليلا عميقا عن النقابات المستقلة فى مصر لافتا إلى إن آراء ريجينى النقدية كانت ذات عواقب أقل من علاقاته، واتصالاته، وحذره. وإلى نص المقال منذ أسابيع قليلة، قُتل شخص ما يمارس نفس ما أفعله فى مجال البحث الميدانى بمصر. إنه جوليو ريجيني، المواطن الإيطالي، وطالب الدكتوراة بجامعة كامبريدج، الذى كان يدرس الحركات العمالية المصرية. وفُقد أى أثر لريجينى فى 25 يناير، الذكرى الخامسة لانتفاضة 2011، قبل أن يتم العثور على جثته، بعظام مكسورة، وعلامات حروق وصعق كهربائي. وجرى تفسير هذه الإصابات على أنها مؤشرات لتعرضه للتعذيب، وتشبه ما تعرض له العديد من المصريين فى مواجهة القوات الأمنية. وأمام ما قد يكون أول جريمة قتل أمنية متعمدة لباحث أجنبي، أرسلت "جمعية دراسات الشرق الأوسط" تحذيرا لأعضائها من السفر لمصر. ماذا نفعل حيال تلك المأساة؟ لماذا قُتل؟ وهل ثمة خطورة تواجه الباحثين الآخرين. لقد جاءت أنباء وفاة رجينى بمثابة صدمة عميقة بالنسبة لأى شخص يمارس البحث فى مصر. مثلما كان يفعل ريجيني، أجريتُ مقابلات مع نشطاء ينتمون لنقابات مهنية مستقلة. وعلى غرار العديد من المقيمين الأجانب فى مصر، كنت أعتقد أن جنسيتى الأجنبية تقدم لى بعض الحماية من الأشكال المفرطة للانتهاكات الجسدية. مثل هذا الحادث المروع يشير إلى محدودية هذا الشعور بالراحة، والنطاق الضيق أمام الباحثين، سواء كانوا أجانب أو مصريين. ليس واضحا بشكل مباشر لماذا اعتبرت السلطات ريجينى مصدر تهديد. لقد كان بحثه يتعلق بالنقابات المهنية المستقلة، وهو موضوع لا يضر فى بلد لا يتسم فيه اليسار بالضعف فحسب، ولكن بالعداء تجاه الإخوان المسلمين، الغريم الرئيسى للنظام. وعلاوة على ذلك، لم يكن الباحث الصغير الأكاديمى الوحيد على الأرض الذى يدرس قضايا حساسة. فتحت قيادة النظام العسكرى الحالي، حاور باحثون نشطاء معارضين، ينتمى بعضهم للإخوان. كما نشر باحثون انتقادات ضد النظام، ولكن طالب الدكتوراة الشاب هذا هو من واجه مثل هذا المصير الوحشي، فلماذا؟ منذ عام 2011، درستُ كيف تتصور القوات الأمنية المصرية التهديدات، وتختار أهدافها، وقمت بفهرسة ممارسات الإكراه الأمني، ومراجعة وثائق إدارية، وتحدثت مع نشطاء سياسيين، بينهم قيادات عمالية وأعضاء سابقين بالقوات الأمنية. ومن خلال بحثي، علمت شيئين، الأول مفاده أن القوات الأمنية تولى اهتماما وثيقا لعلامات التسييس داخل أوساط الحركة العمالية. فى عهد مبارك، أسست القوات الأمنية تمييزا حادا بين أنواع الاضطراب السياسى والاقتصادي. الاحتجاجات العمالية كان دائما ما يتم التسامح معها أو تجاهلها طالما لم تكن المطالب سياسية. وبشكل متواز، كان يسمح للنشطاء السياسيين بالتظاهر وانتقاد النظام طالما لم يحاولوا إثارة الجماهير بشأن غايات مناهضة للحكومة. الأمر الثانى الذى تعلمته، مفاده أن القوات الأمنية تمتلك أفكارا مختلفة بشأن أسباب الحشد الشعبي. على غرار علماء الاجتماع، طورت السلطات المصرية نظريات حول انفجار الاضطرابات الشعبية عام 2011. وبينما يشدد علماء الاجتماع على تلقائية وشجاعة وقوة المواطنين العاديين خلال 18 يوما زمن انتفاضة 2011، تعتقد القوات الأمنية أن الاضطرابات قادتها قوى سياسية منظمة استطاعت استغلال المواطن العادى من أجل مآرب سياسية. وفى صيف 2011، عندما سألت أحد أعضاء القطاع الأمنى السابقين عن أسباب نجاح الاحتجاجات المناوئة لمبارك، ألقى باللوم على متآمرين أجانب، لا سيما حركة حماس. مثل هذه الادعاءات حول وجود قوى خارجية وراء عدم الاستقرار السياسى فى مصر تشيع فى الإعلام المصري. فى الولاياتالمتحدة، يتم نبذ هكذا وجهات نظر، باعتبارها دعاية سلطوية كلاسيكية. وبالرغم من ذلك، فإن بحثى يشير إلى أن مثل هذه المخاوف حقيقية، وتفسر طريقة تصور النظام المصرى للتهديدات. وبوجه خاص، يجعل ذلك القوات الأمنية شديدة الانتباه لأى روابط بين "عناصر أجنبية" وقطاعات بالمجتمع قادرة على الحشد. من الممكن أن يكون قد جرى إساءة تفسير بحث ريجينى على أنه أساس للتحضير لانتفاضة جديدة. لقد أسس ريجينى علاقات مع أطراف محلية، وحضر اجتماعات مع نشطاء عماليين، وتحدث العربية بشكل ممتاز، وهى مهارات ضرورية لأى باحث، لكنها لسوء الحظ تثير الشكوك. ويبدو أن ريجينى استثمر بشكل شخصى من قضايا العمال، عبر كتابة تقارير ناقدة لنظام السيسى فى صحيفة إيطالية. أحد تلك التقارير، الذى نشر بعد وفاته، يقدم تحليلا عميقا عن النقابات المستقلة فى مصر. وبعكس ما يقال، فإن آراء ريجينى النقدية كانت ذات عواقب أقل من علاقاته، واتصالاته، وحذره. واختفى ريجينى فى ذروة اكتساح أمنى استهدف إحباط أى احتجاج فى 25 يناير. وفى الأيام السابقة للذكرى، فتشت القوات الأمنية نحو 5000 شقة وسط القاهرة، فى حملة كاسحة ذكرت تقارير أنها أعقبت شهورا من المعلومات الاستخبارية حول النشطاء "أنصار الديمقراطية" داخل وخارج البلاد، بما فى ذلك الأجانب. ربما صدر أمر باختطاف ريجينى بعد عملية مراقبة طويلة، أو قد يكون قد استوقف من خلال ضباط مضطربين أثناء ذهابه لمقابلة صديق، ثم أيقظ الشكوك خلال وجوده فى الحجز. وعموما، فإن تعرضه للاستجواب سبعة أيام (الادعاءات التى نفتها السلطات المصرية) يشير إلى احتمال أن القوات الأمنية كان ينظر إلى ريجينى باعتباره "تهديدا". وتحتل مصر مكانة خاصة بين الباحثين فى شئون الشرق الأوسط، ليس فقط لأن عددا كبيرا من الخبراء الاجانب يقصدونها للتدريب على اللغة، لكن هذه البلد تمثل مركزا لتطوير نظريات سياسية فى العالم العربي، تتضمن دراسات عن التطور الاقتصادي، والسياسيات الحزبية تحت الحكم الاستبدادي، وكذلك دراسات عن السياسات الإسلامية والحركات. مثل هذه الأعمال تؤثر فى عمق العمل الميدانى والمعرفة المحلية، لكن الحصول عليها بات محفوفا بالمخاطر بشكل متزايد. موت ريجينى يلقى الضوء على الصعوبات المتعلقة بالسلامة فى ظل المناخ الحالي. نظريا، يمكن للباحثين تخفيف المخاوف عبر تحاشى الأنشطة التى يمكن أن تحمل طابعا سياسيا أو تعبويا. لكن على المستوى العملي، فإن مثل هذا الفصل شديد الصعوبة، إذ أن العمل الميدانى يتطلب التبحر فى بيئة نادرا ما تعتقد الشرطة فيها أن الباحثين يجرون أبحاثهم من أجل البحث. ويتطلب ذلك أيضا ممارسة أنشطة تغذى مخاوف الأمن، مثلما حدث فى هذه المأساة، من حيث التحدث باللغة العربية، وتأسيس روابط حقيقية مع الناس. لم يكن ريجينى يتسم باللامبالاة، وربما ذلك أكثر ما يثير القلق على مستقبل الباحثين ومستقبل المجال.