يُخطئ مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع حينما يصرح لوسائل الإعلام بأنه لن يعطى صوته للمرشح الرئاسى د. عبدالمنعم أبوالفتوح، وتخطئ الجماعة كثيرًا حينما تهيل التراب على تاريخ الرجل الذى كان منذ شهور عضوًا بمكتب الإرشاد، وقضى سنوات من عمره خلف القضبان بتهمة الانتماء للإخوان فى عهد مبارك. وتخطئ الجماعة حينما يصل بها الخلاف مع القيادى مختار نوح إلى القطيعة ومعاقبته انتخابيًا فى انتخابات نقيب المحامين، رغم أنه الأكفأ من وجهة نظر الكثيرين، ومنح كتلتهم التصويتية لمرشح وفدى، فأهدوا المنصب لعدوهم اللدود وأحد فلول النظام السابق سامح عاشور. أبوالفتوح من الإخوان، وبهم، ويصعب محو تاريخه، أو الطعن فى وطنيته وإخلاصه لهذا الوطن، ومن الأجدر الصمت حِيال موقفه من الترشح للرئاسة، والتوقف عن تجريحه لإقناع الرأى العام بأن الجماعة ستعاقبه انتخابيًا، وأنه ارتكب كبيرة من الكبائر لمجرد خلاف فى الرأى مع الجماعة، أو اتخاذه قرارًا يراه صحيحًا من وجهة نظره دون أن يخالف صحيح الكتاب والسنة. العديد من الرسائل السلبية -دون مبالغة- تتسرب إلى أفراد الصف تطعن فى موقف عدد من أبرز رموز الجماعة وعلى رأسهم نائب المرشد– المستقيل– الدكتور محمد حبيب، ود. عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور إبراهيم الزعفراني، وآخرين، حتى وصل الأمر فيما تحمله تلك الرسائل من دلالات ضمنية إلى التشكيك فى مواقف الرجال وتوجهاتهم، والقفز إلى استكشاف الغيب فيما تحمله نواياهم . أحزنتنى حملة التجريح التى تعرض لها النائب الإخوانى"سابقًا" مجدى عاشور، ووصل الأمر إلى معايرته فى صحيفة الجماعة "الحرية والعدالة" بأنه يحمل "دبلوم صنايع"، فى وقت كانت الجماعة تحتفى به فى السابق، لكن عند الاختلاف معه تطايرت نحوه السهام، ورغم رفضى لموقفه من التورط فى دخول "برلمان عز" فإن الإساءة إليه مرفوضة فى أى حال من الأحوال. الجماعة فى إطار مناهجها ولجانها الإدارية تبذل جهدًا كبيرًا فيما يطلق عليه ب"صناعة الرموز" بهدف إعداد كوادر وقيادات من مختلف الأجيال على قدر من التميز فكريًا وثقافيًا وشرعيًا وسياسيًا، وهى تجربة تحسب للجماعة شريطة الاحترافية والمنهجية فى تنفيذها. بصرف النظر عن تقييم التجربة ومدى نجاحها، وطبيعة معايير الانتقاء التى تعتمد عليها - وهى محل نقد بالتأكيد-، يمكن القول بأن الجماعة تقع فى خطأ فادح عند تشويه رمز ما – يصعب تكراره – نتيجة اختلاف فى الرأي، أو إصرار منه على تبنى موقف ما، يراه البعض مشروعًا وله وجاهته. إزاء ذلك يجب الإقرار بأن الجماعة تعانى ندرة فى رموزها الفكرية والسياسية، وخلال سنواتها الأخيرة أفقدت صفوفها عددًا من الوجوه الفكرية والتاريخية وسط جو من الغموض والضبابية لم يتضح حتى الآن، وتوجهت سهام التشكيك والطعن فى هؤلاء، وتحول المدح إلى ذم، ومُورس ضدهم إقصاء معنوى وأدبى قبل أن يكون تنظيميًا . الخلاف مهما كانت درجة حدته وحسب أدبيات الجماعة لا يعد مبررًا منطقيًا لكى يتطاول البعض على رموز من الجماعة، أو يُطعن فى إخلاصه ومستواه التربوى نتيجة تبنيه الرأى الآخر، وليس من الفطنة السياسية أو الفطنة الدعوية والأخوية التى يتدارسها الإخوان فى شُعَبِهم وكتائبهم الإساءة إليها. الإخوان فى حاجة ماسة إلى القفز فوق الخلافات واستعادة الطيور المهاجرة تحت ظلال الحب فى الله، وصناعة جيل نوعى من الرموز فى مختلف المجالات وفق معايير علمية، وضوابط منهجية تُعيد للجماعة عصرها الذهبى حينما كانت تربة خصبة للفكر فكان القرضاوى والغزالى وسيد سابق وغيرهم، ومن الحكمة استعادة حبيب وأبوالفتوح والزعفرانى والهلباوى وآخرين.