أثار تصريح نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف مؤخرا حول أمل بلاده بأن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية ، زوبعة من التساؤلات لدى عموم السوريين ، فيما إذا كانت روسيا تريد من وراء هذا التصريح التمهيد لتقسيم سوريا بعد خمس سنوات من الحرب ، بعد رفضها لكل المشاريع التي طرحت لتقسيم سوريا في الفترة الماضية ، أم هو بمثابة رسالة لبعض الدول الإقليمية لجس نبضها تجاه الأمر ؟. وبالرغم من أن غالبية المحللين والخبراء في سوريا قللوا من أهمية هذا التصريح ، مؤكدين أنه لا يعكس رغبة روسية في تبني فكرة الفيدرالية في سوريا ، وإنه جاء بمعرض التعليق لا التسويق لفكرة الفيدرالية ، غير أن البعض رأى فيه سابقة خطيرة ، سيما وانه تزامن مع سريان هدنة وقف العمليات القتالية في سوريا حيز التنفيذ ليل السبت الماضي ، والحديث عن وجود خروقات لها من قبل طرفي الصراع ، وكذلك الحديث أيضا عن وجود خطة بديلة تسعى إلى تقسيم سوريا . وأكد الخبراء والمحللون السياسيون في سوريا أن التصريح الروسي بخصوص الفيدرالية ، حمل أكثر مما يجب أن يحتمل ، وهو لا يعني التقسيم ، مشيرين إلى أن الفيدرالية لا تصب في مصلحة روسيا ولا تنسجم مع عمقها الفعلي في المنطقة . وكان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، أعلن يوم الاثنين الماضي في تصريح جديد من نوعه، أن موسكو تأمل بأن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية، وهو المطلب الذي يطالب به الأكراد. واعتبر ريابكوف أن على السوريين وضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سوريا المستقبل، تعتمد على الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، بما في ذلك إمكانية إنشاء جمهورية فيدرالية. وتعد روسيا الحليف الرئيسي لسوريا منذ بداية الأزمة السورية، وقفت إلى جانبها في المحافل الدولية ، ورفضت أي شكل من أشكال التدخل العسكري فيها ، ورعت عدة مؤتمرات بين الحكومة والمعارضة بهدف التوصل إلى حل سلمي للازمة السورية ، كما ساهمت في تغيير موازين القوى على الأرض بعد ان شن الطيران الحربي الروسي غاراته في سوريا منذ 30 سبتمبر الماضي بعد موافقة الحكومة السورية ، واليوم توصلت روسيا والولايات المتحدة الى اتفاق يقضي بوقف العمليات القتالية في سوريا ودخل حيز التنفيذ يوم 27 فبراير الماضي . وقلل الدكتور بسام أبو عبدالله استاذ العلاقات الدولية بجامعة دمشق من أهمية التصريح الروسي الذي صدر على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ، مؤكدا أنها وجهة نظر ولا تمثل رؤية القيادة الروسية حيال ذلك . وقال الدكتور ابو عبدالله وهومحلل سياسي سوري ، في تصريحات لوكالة ( شينخوا ) بدمشق اليوم ( الأربعاء ) " لا يجب إعطاء هذا التصريح الروسي أكثر من ابعاده " ، مشيرا إلى أن ريابكوف كان واضحا ، واشترط موافقة السوريين على ذلك . وأضاف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق إن " كل القرارات الدولية ، واجتماعات فيينا ، والاتفاق الروسي الأمريكي تم التأكيد خلالها على وحدة وسيادة الاراضي السورية " ، مؤكدا أن الطرح الذي جاء على لسان نائب وزير الخارجية الروسي حول الفيدرالية ، كان مرتبطا بموافقة السوريين عليه . وعزا الدكتور أبوعبدالله عدم إمكانية تنفيذ الفيدرالية في سوريا ، لان أي شكل من اشكال نظام الحكم يحتاج الى تعديل دستوري ويحتاج الى إرادة شعبية واستفتاء شعبي كي يقر هذا الدستور الجديد ، مضيفا " هذا الكلام لا يجب أن يحمل أكثر مما يحتمل ، وهي مجرد وجهة نظر قالها نائب وزير الخارجية الروسي ، ولا تعكس رغبة روسية ، وهي غير موجودة في الأجندة الحالية " . واشار إلى أن أمر تقسيم سوريا فشل وضرب منذ عام 2012 عندما اسقطت مدينة القصير بريف حمص الغربي وما تلاها من سقوط مناطق بقبضة الجيش السوري ، مبينا أن التقسيم يحتاج إلى قضيتين الاولى وجود جغرافيا دائمة السيطرة ، وهذا الامر غير متحقق في سوريا حيث لا يوجد سيطرة دائمة للمجموعات المسلحة بكل الوانها داخل الجغرافيا السورية ، مؤكدا أنها كلها مؤقتة ، والجيش السوري يستطيع الدخول اليها في أي وقت يشاء إذا قرر ذلك بدليل ما حدث في ريف اللاذقية الشمالي وحلب ، والقضية الثانية هي وجود واقع اجتماعي يحقق هذا التقسيم ، مؤكدا أيضا أن هذا الامر غير موجود في سوريا فهناك في كل المناطق خليط اثني وطائفي صعب التقسيم على اساسه . ومن جانبه اتفق الدكتور عفيف دلة وهو محلل سياسي سوري آخر مع من سبقه بالحديث بأنه التصريحات الروسية لا تعكس رغبة روسية ، وفكرة التقسيم مستبعدة في سوريا في الوقت الراهن سيما وأن روسيا تمضي في تثبيت وقف العمليات القتالية لاكبر وقت ممكن . وقال دلة في تصريحات مماثلة لوكالة ( شينخوا ) بدمشق إن " هذا التصريح لم يكن اولا في معرض التسويق لفكرة وتبنيها بمقدار ما كان التعليق على مثل هذا الطرح الذي ليس هو الاول من نوعه فهناك عدد من الدول الاقليمية والغربية كانت تطرحه وتهلل له " ، مؤكدا أن الجانب الروسي ومنذ البداية كان يعلم أن المزاج الشعبي في سوريا لا يذهب باتجاه أي قرار تقسيمي فيدرالي " . وأشار المحلل السياسي دلة إلى أن قيام فكرة إنشاء الفيدرالية لا يصب في المصلحة الروسية ، ولا يتفق ولا ينسجم مع المرتكز الفعلي للدولة الروسية في عمق المنطقة الذي يقوم اساسا على الدولة السورية ومؤسساتها كوحدة متماسكة " ، مؤكدا أن " تحويل هذه الدولة الوطنية على كامل جغرافيتها إلى كيانات تحت مسمى فيدرالية سيفتح الباب مشرعا أمام تعزيز وتكريس التدخلات والنفوذ الاقليمي لبعض أطراف المنطقة ، وبالتالي ستفقد الدولة الروسية مرتكزها وعمقها الفعلي في سوريا والمنطقة المتمثل بالدولة السورية ، وسيكون البديل عبارة عن كيانات لا يمكن ان تتواصل معها القيادة الروسية إلا من خلال مرجعيتها الاقليمية " . وأكد المحلل السياسي أن هذا الامر سيخرج روسيا بالتدريج من معادلة الشرق الاوسط . وكرر الدكتور دلة قائلا " ليس هناك من مصلحة فعلية وواقعية بالمعنى البراجماتي للقيادة الروسية في أي مشروع فيدرالي في سوريا فضلا عن أن هذا المشروع مرفوض من قبل سوريا "، مؤكدا أنه لو كان مقبولا منذ البداية لكان الصراع قد انتهى منذ زمن لأن بعض الاطراف الاقليمية سعت منذ البداية إلى تغيير الخارطة على مستوى المنطقة عبر إقامة كيانات مستقلة تحت مسميات اثنية وعرقية وطائفية ومذهبية . ومن جانبه قال المحلل السياسي السوري عماد النداف لوكالة ( شينخوا ) أن التصريح الروسي حول إنشاء الفيدرالية يثير عدة تساؤلات من بينها ، هل حدث تغير في السياسة الروسية تجاه الازمة السورية ، وهل هذا التصريح يمهد لفكرة التقسيم فعلا بعد الإعلان عن وجود خطة بديلة في حالة فشلت هدنة وقف العمليات العسكرية . واعتبر المحلل السياسي النداف أن هذا التصريح يعد نقلة نوعية في السياسية الروسية تجاه الازمة السورية ، على الرغم من أنه لا يعكس رغبة روسية في تبني الفيدرالية ، ولكنه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار . وألمح النداف إلى أن هذا التصريح الروسي ربما يكون رسالة لتركيا ، لكي تكف عن التدخل في الشأن السوري ، وأن تكف عن دعم المعارضة المسلحة ، وتضبط حدودها ، مؤكدا أنه في حال أنشئت هذه الفيدرالية وإقيمت دويلة كردية في الشمال ، وأخرى سنية ، وثالثة علوية ، فإن تركيا أكثر المتضررين من هذا الامر ، مبينا أن هذا التصريح ربما يندرج في إطار جس نبض بعض الدول الاقليمية بمن فيهم تركيا . ويشار إلى أن الفيدرالية هي اتحاد بين "أقاليم" سيادية مختلفة، يكون لكل منها بنيته القانونية المحلية الخاصة، ويمارس من خلالها كل شؤون السيادة "المحلية". ويكون لكل من هذه الأقاليم أو المكونات "سلطة الدولة" التي نعرفها نفسها، ولكن ضمن حدوده الإدارية، مثل القوانين الخاصة به والبرلمان الخاص به والشرطة و.. البقية الباقية فيما يكون للسلطات "الإتحادية" السلطة في السياسة الخارجية والجيش والخطة الاقتصادية العامة وعقد الحرب والسلم وتوقيع المعاهدات الدولية.. وكما لا يحق للسلطات "الإقليمية" التدخل في شؤون الاتحاد، أو رفض ما يقرره في اختصاصه، ولا يحق للسلطات الاتحادية التدخل في شؤون الاقاليم في كل ما هو من سلطاتها.