أثار الموقف الروسي من فيدرالية سوريا ردود أفعال كثيرة، وبدا أن موسكو تريد إيصال رسائل نوعية لأطراف دولية وإقليمية متحكمة في بعض خيوط اللعبة في سوريا، كالولاياتالمتحدةوتركيا والسعودية، حيث قال سيرجي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي 29 فبراير، إن بلاده تؤيد ما يتوصل إليه المشاركون في المفاوضات السورية، بما في ذلك فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية، لكنه في الوقت نفسه استبعد تطور الأحداث في سوريا وفق سيناريو كوسوفو، وشدد النائب على ضرورة وضع معايير محددة للهيكلة السياسية بسوريا في المستقبل، تراعي الحفاظ على وحدة أراضي البلاد. رد على الخطة "ب" وجاءت الدعوة الروسية بفيدرالية سوريا في الوقت الذي تتحدث فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية عن خطة بديلة أسمتها "الخطة ب"، قالت إنها ستُعتمد حال فشل اتفاق وقف إطلاق النار بسوريا الذي دخل حيز التنفيذ 27 فبراير الماضي. واشنطن لم تحدد ملامح هذه الخطة، واكتفت بتقديم إشارات من قِبَل مسؤولين أمريكيين متقاعدين بأنها ذات طابع عسكري، حيث قال جايمس ستافريديس، القائد السابق لقوات التحالف بحلف شمال الأطلسي، إن الخطة (ب) ستكون حملة دون روسيا، وستتضمن في مرحلة من المراحل إقامة منطقة حظر للطيران في منطقة آمنة يمكننا فيها بناء معارضة معتدلة. وأضاف أن الخطة ستتضمن الأردن، وربما قوات برية أردنية. من جانبها قالت موسكو إنها ليست على علم بشيء يدعى الخطة (ب)، ما يعزز أن الحديث الروسي عن فدرلة سوريا جاء ردًّا على حلول أمريكا العسكرية، فروسيا تقول إنه ما زال بالإمكان تبني حلول سياسية، وإن الحلول الأمريكية بشن غارات جوية على أهداف محددة في سوريا بتفويض من الناتو دون الرجوع إلى الأممالمتحدة أمر مرفوض روسيًّا، وتعتبر هذه الرسالة الأخطر في كلام ريابكوف. هل ترفض روسيا فكرة التقسيم؟ تقسيم سوريا قد يكون سببًا لخلق أزمة جديدة وليس حلًّا، فموسكو تدرك ذلك جيدًا، وقبل أسبوعين نقلت وكالة الإعلام الروسية عن ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية أن موسكو تؤيد سوريا غير مقسمة. روسيا تسير باتجاه الضغط وبقوة على غريمها التركي، نتيجة لممارسات أنقرة الاستفزازية على الحدود السورية، حيث أكد ريابكوف أن تصرفات تركيا بمثابة قنبلة موقوتة تحت طاولة الهدنة في سوريا، وقال ريابكوف: الأتراك لم يتراجعوا عن فكرة توجيه ضربات عبر الحدود، وفكرة إنشاء مناطق ما على طول الحدود التركية في الأراضي السورية، وأضاف أن التحضيرات العسكرية من قِبَل دول متاخمة لسوريا لا يمكن ألا تثير قلق موسكو. وعاودت روسيا طرق البوابة الكردية التي تزعج الأتراك، حيث أكد الدبلوماسي الروسي دعم موسكو مشاركة الأكراد في المفاوضات السورية – السورية، مضيفًا أنها تعول على أن تصحح بعض الدول مواقفها من هذه المسألة. روسيا التي رفضت مسبقًا فكرة تقسيم العراق في أغسطس الماضي، تدرك أن الدول التي تشكل امتدادًا جغرافيًّا لها من غير المفيد تقسيمها، فلو كانت روسيا تسلم بمخطط التقسيم، لما تطلب الأمر خمسسنوات من الحروب في سوريا، فضلًا عن أن روسيا التي تشكل سوريا عمقًا استراتيجيًّا لها تعلم أكثر من غيرها أن سوريا لا يمكن أن تحتوي على كتل بشرية في إطار جغرافي بنفس التوجهات الطائفية والسياسية. يبقى التلويح الروسي بالقنبلة الفيدرالية بمثابة إنذار مبكر لواشنطن حال إقدامها على أي خيار لتدخل عسكري في سوريا من شأنه أن يفضي لنتيجة واحدة، وهي تقسيم البلاد، فضلًا عن أنها فكرة مرفوضة من حيث المبدأ؛ لأن فدرلة سوريا قادرة على إشعال المنطقة برمتها، لا سيما وأن تركياوالعراق سيطالهما التغيير الجديد عبر الأقاليم الكردية الجديدة، كما أن التقسيم وفقًا لاعتبارات طائفية قد يربك حسابات الدول المحيطة بسوريا كلبنان والأردن، إضافة إلى أن فكرة التقسيم في حد ذاتها ستكون مقلقة لدول إقليمية في المنطقة تعاني من احتجاجات داخلية كالسعودية والبحرين، فالتقسيم سيشجع هذه التظاهرات والاحتجاجات على المطالبة بحكم ذاتي هي الأخرى على غرار الملف السوري.