فى ظل حالة الاستقطاب التى تسود أغلب التيارات والمواقف السياسية حاليًا، أصبحت اللغة السائدة هى: (أنت معى أو ضدى)، فإما أن تنادى بسقوط حكم العسكر، أو أنك عقدت صفقة معهم، إما أنك مع الاعتصام المستمر فى ميدان التحرير، أو أنك خائن للثورة، وبالمقابل.. فالبعض يرى الدكتور "محمد البرادعى" هو مفجر الثورة المصرية، ورمز المقاومة والصمود فى وجه الظلم، ويرى فى انتقاد البرادعى خيانة للثورة والثوار، فيما يراه آخرون رمزًا للعمالة والتبعية للغرب، ويعتبرون أن كل من يقف خلف البرادعى "قابضين"، وأنه صنيعة أمريكا للقضاء على الهوية الإسلامية فى مصر. ما أحوجنا إلى الاعتدال وقراءة الأمور بهدوء، ليس من حق أحد أن يزايد على وطنية أى شخص، فالدكتور "البرادعى" أثرى المشهد السياسى كثيرًا منذ عودته إلى مصر ومشاركته فى تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير، وحملة جمع التوقيعات لمطالب التغيير، وهو دور لا يمكن إنكاره، ساهم كثيرًا فى إحداث الحراك بالمجتمع المصرى، ومهد مع غيره من الشخصيات للثورة، وكشهادة حق أمام الله.. فقد جمعتنى عدة لقاءات بالرجل من خلال مشاركتى فى حملة دعم مطالب التغيير، وشاهدت بنفسى كيف واجه بهدوء حملة التشويه والتلفيق التى صنعها النظام السابق، وطالت حياته الشخصية، من الظلم أن ننكر أن عودة "البرادعى" أحيت فى نفوس الكثيرين الأمل فى التغيير، وفجرت الكثير من الطاقات، ما زلت أذكر لقاءاتى مع العديد من الشباب الذين جاءوا من مختلف محافظات مصر، تجمعهم أفكار وتيارات سياسية مختلفة، ولكنهم جميعًا تحمسوا لفكرة التغيير، وأغلب هؤلاء الشباب كانوا فى طليعة الثوار يوم 25 يناير، ولكن على الجانب الآخر.. فمن الظلم أن يزعم أحد أن الدكتور "البرادعى" هو صانع الثورة وقائدها، فمن نعمة الله علينا؛ ومن روعة الثورة المصرية، أنها جاءت بلا قائد أو رمز واحد تنسب إليه، وإنما أرادها الله ثورة للشعب، شارك فيها كل مصرى بطريقته الخاصة، ووفقًا لإمكانياته. بكل أمانة فقد تمنيت بعد اليوم التالى للثورة أن يتخلى الدكتور البرادعى عن فكرة ترشحه للرئاسة، لأن الظروف تغيرت، والخيارات أصبحت متعددة، ويومًا بعد يوم تأكد للجميع أن فرصه أصبحت ضعيفة للغاية، وقد أكدت نتائج الانتخابات البرلمانية مزاج الشارع المصرى، إن كان "البرادعى" قد اختار الانسحاب من سباق الرئاسة، فهو قراره الشخصى، ونتمنى له كل التوفيق، ولكن الثورة والوطن لن تتوقف أبدًا على شخص واحد، كم أتمنى أن يظل يمارس دوره فى العمل العام، فنحن فى حاجة إلى كل الجهود والأفكار، قد نختلف كثيرًا مع ما يطرحه "البرادعى" من آراء سياسية، ولكن ذلك لا يمكن أن يكون سببًا فى تخوين الرجل، فالفكر والرأى لا يمكن أن يواجه إلا بنفس الأسلوب، وفى النهاية يكون الحكم لرجل الشارع، ولصندوق الانتخابات. هل تذكرون تلك الأصوات العالية التى كانت تتحدى أن تتم الانتخابات البرلمانية؟ وترى أن المؤامرة ضد الثورة سوف تعيقها، وأن الظروف الأمنية لن تسمح بذلك، ولكن بعد توفيق الله تعالى؛ فقد كانت إرادة الشعب المصرى أقوى، وخرجت الانتخابات بصورة مشرفة زادت من روعة ثورتنا، نحتاج أن نواصل الضغوط على المجلس العسكرى من أجل استكمال مطالب الثورة، وأنا على يقين بأن الأيام القادمة ستشهد المزيد من النجاح رغم كل التحديات، ما أحوجنا الآن إلى صوت العقل والاعتدال، أن نتناقش جميعًا فى هدوء، بعيدًا عن التخوين والاتهامات، فهى الطريقة الأفضل للعبور إلى بر الأمان، والوصول بالوطن إلى مرحلة النهضة والبناء. [email protected]