في الجولة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي وافتتاح عدد من مشروعات الإسكان والخدمات في السادس من أكتوبر أمس لم يعلق في ذاكرة الناس مشهد أكثر من مشهد السجادة الحمراء الطويلة التي بسطت على الأرض لكي يمر من فوقها موكب سيارات الرئيس في طريقه للاحتفال ، واختلفت التقديرات في حساب ثمنها ، البعض قدرها بمئات الآلاف من الجنيهات والبعض قدرها بعدة ملايين ، بناء على طولها وعرضها والثمن الافتراضي لها ، والمعلقون على المشهد من إعلاميين ومثقفين ومواطنين عاديين أجمعوا تقريبا على استغراب الصورة ، لدرجة أن البعض شكك في البداية في كونها "فوتشوب" أو صورة مصطنعة ، من فرط غرابتها ، والبعض سجل ملاحظة أن هذا السلوك الرئاسي لم يحدث حتى في أيام حسني مبارك . المفارقة الأكثر إيلاما في مشهد السجادة الحمراء أنه كان في نفس النهار الذي تحدث فيه السيسي للشعب يشتكي من الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد ومن ضيق ذات اليد وأنه لا يوجد أموال في الدولة لتغطية احتياجات الناس وأن الشعب لا بد أن يتحمل وأن يضحي وأن يستعد لرفع الدعم عن مياه الشرب وغيرها ، لأن الدولة لن تستطيع أن تكمل بهذا الشكل حسب قوله ، بينما التشريفة التي يدخل بها إلى الحفل تشهد هذا البذخ الامبراطوري الذي لا يستقيم أبدا مع ضيق ذات اليد ، بل يوحي أنك أمام دولة ثرية مترفة ، بل وشديدة الترف والثراء ، وأن حكومتها تنفق على المظاهر بغير حساب . والحقيقة أن مشهد السجادة الحمراء الذي استفز الناس هو علامة من علامات السلوك السلطوي لرئاسة الجمهورية في عهد السيسي ، هناك نزوع واضح في عهد السيسي إلى المظهرية والبذخ وإبراز الروح الامبراطورية في احتفالات السلطة ومشروعاتها ، وقد حدث هذا مرارا في مناسبات متعددة ، فقد حدث في حفل تنصيب السيسي برئاسة الجمهورية ، حيث كان عملية احتفالية ضخمة بالوفود والبسط والضيافة المترفة ، وقدرت التكاليف بعشرات الملايين وقتها ، وكذلك كان الأمر في احتفالية التفريعة الجديدة لقناة السويس حيث جرى المشهد في صورة باذخة للغاية ومشاهد أقرب ما تكون للمشاهد السينمائية باستعراضات ضخمة وتوسع هائل في الضيوف ورصف طرق استخدمت لمرة واحدة وكباري تم إزالتها بعد فض الحفل ، فضلا عن نفقات ضيافة وحماية وتنقل هذا العدد الضخم من الحضور ، والأمر نفسه حدث في احتفالية شرم الشيخ المتعلقة بالمؤتمر الاقتصادي ، نفس المشاهد الامبراطورية والبذخ والاستعراض والمنظرة ، فما حدث في 6 أكتوبر ليس سلوكا عارضا وإنما طريقة تفكير ، وتعبير عن منهج في الإدارة ، إدارة شؤون الدولة وتقديم السلطة وتسويق شرعيتها أو تأكيدها والدفاع عنها خاصة أمام العالم الخارجي الذي شكك فيها من قبل ، أو هكذا يتصور من يرتبون لهذه الاحتفاليات الباذخة . والمشكلة الأساسية في هذه الاستعراضات الباذخة والاحتفالات الامبراطورية أنها تتناقض جذريا مع الخطاب العاطفي لرئيس الجمهورية الموجه للشعب معبرا عن فقر الدولة وضعف إمكانياتها المالية ، مطالبا إياه بالتضحية والصبر على شظف العيش لأن البلد "ما فيهاش فلوس" ، وأنه سيكون مضطرا لرفع الدعم بما يعني ارتفاع الأسعار وجلد ظهور الغلابة بمزيد من الفقر والعوز وبؤس الحياة ، هذا التناقض ينسحب على مجمل فترة السيسي وخطابه السياسي طوال العامين الماضيين ، فالشعب الذي لم يجد من يحنو عليه كما قال قبل مجيئه يقسو عليه اليوم أكثر من كل السابقين ، والفقراء الذين قال أن لا أحد يوصيني عليهم لأنهم حياتي ورسالتي ، هم أكثر من يطلب منهم تحمل فاتورة الفقر والبؤس في الوقت الذي يسبغ فيه على غيرهم ترف الحياة و"الفخفخة" . هناك مشكلة حقيقية الآن في إدارة السيسي لشئون البلاد ، وسواء كان هو نفسه مخططا لها ومدركا لتوابعها ، أو كانت من تخطيط وإدارة أجهزة وشخصيات معاونة له ، إلا أنه في النهاية هو الذي يتحمل فاتورتها السياسية ، وأعتقد أن هذه التناقضات هي أهم أسباب انحسار الشعبية عن السيسي وانفضاض قطاعات متزايدة من الشعب عنه بعد أن كانت تضع فيه آمالها ، واستمرار هذا النهج سيجعل البلاد كما قال كثيرون من أنصار السيسي نفسه أمس أقرب إلى الانفجار من أي وقت مضى .