يمر اليوم الذكرى الخامسة لما تعرف إعلاميًا ب "جمعة الغضب"، والتي مهدت للإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك.. بدأت الأحداث عندما خرج الملايين من المصريين بعد أداء صلاة الجمعة في جميع أنحاء البلاد معلنين عن ثورتهم ضد النظام، حيث تجمع المصريون في ميدان التحرير، ليعلنوا للعالم رفضهم للفساد والظلم والتهميش، مرددين مطلبًا واضحًا ومحددًا وهو إسقاط النظام حينذاك. في صبيحة "جمعة الغضب"، قام النظام بقطع وسائل الاتصالات اللاسلكية (الهاتف المحمول) والإنترنت لمنع تنظيم المظاهرات وتواصل الجماهير الغاضبة مع بعضهم البعض، ورغم ذلك خرجت مئات الآلاف من مختلف المساجد عقب صلاة الجمعة متجهين صوب ميدان التحرير فضلا عن العديد من المحافظات منها الإسكندريةوالسويس والدقهلية والإسماعيلية ودمياط والفيوم والمنيا والبحيرة والشرقية وبورسعيد وشمال سيناء. وظلت تظاهرات الملايين على اشتعالها، وطال الغضب الشرطة، حيث اندلعت حرائق هائلة بعدد من أقسام الشرطة ومقار الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في القاهرةوالمحافظات ثم صدر الأمر إلى قوات الشرطة بالانسحاب من الشوارع والميادين. ومن الناحية الأخرى، باءت جميع محاولات رجال الشرطة بالفشل مع مرور الوقت في التعامل مع المتظاهرين، حيث انسحبت الشرطة من كوبري قصر النيل بالقاهرة وسيطر المتظاهرون على مدينتي السويسوالإسكندرية وأحرقوا مقار الحزب الوطني. وأضرم المتظاهرون النار في مقر الحزب الوطني (الحاكم) بالقرب من ميدان التحرير على كورنيش النيل، وتدمير أحد فروع الحزب في منطقة شبرا، حيث تم تدميره بالكامل ونهب ما به وحرقه، كما تم تدمير مقار الحزب في عدة مدن. وأصدر المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع آنذاك، أمره إلى الوحدات العسكرية بالتحرك إلى المدن وتأمين الشوارع، وكانت العملية الأهم التي تمت في تلك الليلة هي: تأمين المتحف المصري حيث باتت خزائن الملوك في قبضة اللصوص الذين سرقوا 54 قطعة من أثمن ما تركه الأجداد لأحفادهم. اتخذ مبارك، بصفته الحاكم العسكري، قرارًا بفرض حظر التجوال في القاهرةوالإسكندريةوالسويس من 6 مساءً إلى 7 صباحًا بالتوقيت المحلي، مع فرض أول حظر تجوال وقع في الفترة الأخيرة، ونزلت دبابات ومدرعات الجيش المصري للشوارع لمنع الفوضى وحفظ الأمن وسط ترحيب شديد من المتظاهرين الذين اعتبروا الجيش طرفًا محايدًا. ومن أكثر المشاهد غرابة التي سجلها اليوم، هو خروج مساء جمعة الغضب إحدى السيارات الدبلوماسية على المتظاهرين لتقوم بدهس عدد كبير منهم بالقرب من ميدان التحرير. نتيجة للفوضى التي طالت الشوارع تم تشكيل اللجان الشعبية في كل مناطق مصر، والتي تكونت من أهالي المناطق، حيث تكونت في كل منطقة لجنة تضم خيرة شباب ورجال المنطقة والذين تسلحوا بكل ما يمكن اعتباره سلاحًا (من أسلحة نارية إلى بيضاء إلى الشوم والعصي وحتى سكاكين المطبخ أو الزجاجات الفارغة)، وانتشروا في شوارع مناطقهم على شكل دوريات لتأمين المنطقة وتعويض دور الشرطة المفقود وعدم تمكن الجيش من تأمين كل شوارع وأزقة الأحياء والمناطق الشعبية بأنحاء البلاد، وقامت اللجان بدور كبير في فحص البطاقات الشخصية لكل الأشخاص المارين في الشوارع سواء راجلين أو في سيارات، وتفتيش السيارات التي تمر في الشوارع للتأكد من خلوها من السلاح، ووضع متاريس تساعدهم على السيطرة على حركة المرور وللحماية من هجمات الخارجين عن القانون وعمل كمائن في الشوارع الرئيسية والهامة، وقد ساعد العدد الهائل للمتطوعين في هذه اللجان في تأمين معظم شوارع مصر، وقد نجحت هذه الفكرة بشكل غير متوقع، حيث منعت سرقات عديدة جداً فضلاً عن إلقاء القبض على عدد مهول من الهاربين من السجون. لم تقتصر التظاهرات على القاهرة فقط، بل امتدت المظاهرات إلى مناطق أخرى في البلاد مثل السويسوالإسكندرية، ومع عصر هذا اليوم كان المتظاهرون قد نجحوا في السيطرة بالكامل على مدينتي الإسكندريةوالسويس، فقد تم إحراق معظم مراكز الشرطة في الإسكندرية واضطرت قوات الأمن في آخر الأمر إلى الانسحاب من المدينة بعد الفشل في قمع المتظاهرين، أما في السويس فقد سيطر المتظاهرون على قسم شرطة الأربعين بكل ما فيه، واستخدموا القنابل المُسيلة للدموع ضد رجال الأمن، بينما شاعت أنباء عن سيطرة المتظاهرين على المدينة وطرد قوات الأمن منها. وفي مساء يوم جمعة الغضب ألقى مبارك خطابه الأول بعد ثلاثة أيام من اندلاع ثورة 25 يناير، ووقوع مئات الشهداء، قائلا إن هناك محاولات للبعض لاعتلاء موجة التظاهرات والمتاجرة بشعاراتها، حسب قوله، وأعلن مبارك في خطابه إقالة حكومة أحمد نظيف، وتكليف أحمد شفيق بعدها برئاسة الحكومة. ولم يلب الخطاب الأول للرئيس الأسبق أيًا من مطالب المتظاهرين، كما أنه جاء متأخرًا وهو ما جعل المعتصمين بالتحرير وميادين الثورة يصرون على إسقاط النظام والمطالبة برحيل مبارك ونظامه.