بالرغم من إجماع الشخصيات السياسية والحزبية (باستثناء تقريبًا شخصية واحدة فقط) التي حضرت لقاء الملك مؤخرًا على أهمية التعجيل في الانتخابات المبكّرة في الأردن وضرورة إجرائها العام الحالي، إلاّ أنّ رئيس الوزراء، د. عون الخصاونه، ما زال مصرًّا على إجرائها في العام المقبل. نحسب أنّ تفكير الرئيس بتأجيل الانتخابات ليس بهدف شراء الوقت وعدم الرغبة في الإصلاح، إلاّ أنّه يعلّل ذلك بأسباب لوجستية مرتبطة بقاعدة الناخبين وتصميم التشريعات والتأكّد من الخطوات القانونية والسياسية. الخصاونه ينظر بعين القاضي والقانوني وليس بعين السياسي، إذ أنّ المعطيات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية جميعًا تدفع إلى المسارعة في ترتيب إجراء انتخابات نيابية، بعد الانتخابات البلدية، ومحاولة تقديم جدول زمني واضح ومحدد للإصلاح السياسي. المشكلة التي وقع فيها الخصاونه أنّه لم يدخل إلى الآن في حوارات جدّية مع القوى السياسية المختلفة، ينجم عنها توافقات وتفاهمات تزيل الغموض وتبدّد الأقاويل والادعاءات حول أجندة الحكومة وجديّة الدولة نحو الإصلاح، فلا يكون هنالك مبررات حقيقية للتشكيك في ذلك من قبل الأطراف المختلفة. على النقيض من ذلك، فإنّ ملامح المشهد السياسي خلال الأيام الماضية لا تدفع إلى الاطمئنان أبدًا، فالقلق بدأ يتسرب للجميع من العودة إلى “صراع مراكز القوى”، وهو صراع أدى خلال السنوات الماضية إلى آثار وخيمة على المجتمع والدولة، بالتزامن مع ضغوط شديدة على الإعلام في سياق التصعيد بين الدولة والإسلاميين، واضطراب في الرسالة السياسية للدولة تحت وطأة العنف الجامعي وسؤال العلاقة المتناقضة مع العشائر والمحافظات. جرّ المشهد السياسي إلى التأزيم وبث المخاوف والقلق ليس أقل كلفة من الإصلاح الجوهري المطلوب، ومن يفكّر بهذه الطريقة فهو واهم تمامًا، ويجرّب حلولًا سبق وأن ثبت للجميع أنّها فاشلة، وأنّ النتيجة الرئيسة لها هي إضعاف الدولة ومصداقيتها وتقوية للخطاب المعارض المتشدد، وليس فقط المعتدل، والخطر الأكبر المترتب على المؤشرات الحالية هو الانتقال إلى حالة من الفوضى الداخلية، وبدرجة أخطر إلى انفجار كبير يتولّد من خطأ هنا أو هناك، أو من أزمة صغيرة تتضاعف بسبب حالة الاحتقان الداخلي. مما يزيد من هذا القلق المشروع في المدى القصير هو أنّ المعطيات الاقتصادية لا تبعث على الاطمئنان، فمنسوب التوقعات للاستثمارات الخارجية يكاد يصبح صفرًا، بل هنالك مخاوف من عمليات تهريب أموال، والظرف السياسي الراهن يجعل من تعليق الموازنة على حجم المساعدات الشقيقة بمثابة مغامرة خطرة جدًا، في ظل التراجع عن ضم الأردن لمجلس التعاون الخليجي. فوق هذا وذاك، ثمة ضغوط شديدة على الحكومة من قبل الاقتصاديين، لإعادة هيكلة سياسات الدعم للسلع الرئيسة، وهو قرار تم ترحيله وتأجيله مرارًا وتكرارًا خوفًا من تداعياته السياسية. هذا المناخ السياسي المتوتر لا يخدم أحدًا، ورياح السموم التي تهب على المملكة هذه الأيام مضرّة بالدولة ومصالحها وبالمجتمع والاقتصاد، والحل يكمن بالخروج سريعًا نحو وصفة واضحة توافقية للإصلاح السياسي وخريطة زمنية محددة ومكثفة، بدلًا من إشعال الصراعات والأزمات والمشكلات هنا وهناك. أتمنى أن يدرك الرئيس هذه الحيثيات، وأن يسارع إلى خطوات على الأرض في هذا البرنامج، وأن يكثّف خطواته السياسية وحواراته مع الجميع، وليس مع طرف واحد فقط. لننظر إلى تجارب عربية نجحت في عبور المرحلة الانتقالية والتأسيس لحالة جديدة، كيف يمكن أن نستفيد منها ونتجنب التجارب المتعثرة والمرتبكة. فمهما تباينت الأجندات واختلفت القراءات، فإنّ ما يوحدنا ويجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا، فدعونا نفكر في الاتجاه الصحيح، وليس الخاطئ! المصدر: الإسلام اليوم