رغم المخاوف التي انتابت كثيرين حول احتمال استغلال الرئيس الأمريكي باراك أوباما لفوضى السلاح في ليبيا للإسراع بتنفيذ مخططاته الشيطانية هناك حول "الاستعمار الناعم"، إلا أن رئيس مجلس ثوار طرابلس عبد الله ناكر كان له فيما يبدو رأي آخر في هذا الصدد. ففي 10 يناير، أدلى ناكر بتصريحات نارية لصحيفة "ليبيا الجديدة" هدد خلالها بتحويل ليبيا إلى "نار حمراء" إذا ما أقدمت الولاياتالمتحدة على التدخل عسكرياً فيها، قائلا:" سنقول لهم (للأمريكيين) مرحباً، وسنكون في انتظارهم وسنشعلها نار حمراء أضعاف المرات عما شاهدوه في العراق". وأضاف "سلاحنا موجود وفي سبيل ليبيا كل شئ يهون، ثوارنا موجودون وهم مستعدون"، وانتقد في الوقت ذاته المجالس العسكرية التي تتلقى معونات ومساعدات خارجية، واصفاً رئيس المجلس العسكري لطرابلس عبد الحكيم بلحاج بأنه "صناعة قطرية" يتلقى الدعم من الدوحة، إلى جانب عدد من الشخصيات الأخرى التي لم يحددها. ولفت إلى أن مجلسه يضم 100 ألف ثائر موزعين في جميع أنحاء ليبيا، مشيراً إلى أن تمويلهم يعتمد على التمويل الذاتي من خلال منظمات وجمعيات أهلية ورجال أعمال وطنيين. واستطرد ناكر قائلا :"نحن ثوار حقيقيون ولسنا متقطرنين ككثير ممن يدعون بأنهم ثوار"، في إشارة إلى قطر. وأضاف "نعم عرضت علينا مصادر تمويل متعددة من حكومات كقطر والأردن والإمارات وأمريكا وفرنسا وبعض الوسطاء الآخرين الذين قد يكونون إسرائيليين، ولكننا رفضنا, فنحن لسنا للبيع". وفيما أكد أنه لم يقم بأي زيارة إلى قطر، أضاف ناكر "أنا لست ضد قطر بل نشكرها على دورها في الإطاحة بالقذافي ولكن أن تتدخل في أمورنا الداخلية فهذا خطر". ورغم أن تصريحات ناكر حول قطر وبلحاج تؤكد صحة التقارير حول الخلافات بين مجموعات الثوار السابقين الذين أطاحوا بالقذافي ، إلا أن ما يبعث على الارتياح أنها تعكس أيضا وعي الليبيون بأبعاد المخططات الغربية في بلادهم ، خاصة بعد أن عرضت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند مؤخرا تقديم المساعدة العسكرية للمجلس الانتقالي الليبي في التصدي لفوضى السلاح. وكانت اشتباكات اندلعت في 3 يناير في شارع الزاوية بطرابلس بين ثوار سابقين من المدينة وآخرين من مدينة مصراتة, ما أسفر عن سقوط أربعة قتلى على الأقل، كما شهدت الحدود التونسية - الليبية خلال الأيام الماضية توتراً ملحوظاً على خلفية انتهاكات متكررة من عناصر ليبية مسلحة للحدود التونسية، وتزايد الاعتداءات على أفراد حرس الحدود التونسي، ما أثار قلقا واسعا حول احتمال انزلاق ليبيا إلى المجهول أمنيا وسياسيا . بل ولم يستبعد البعض أيضا قدوم قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة "القبعات الزرق" تحت ذريعة فرض الأمن, حيث حذر رئيس المكتب التنفيذي السابق للمجلس الانتقالي محمود جبريل من تدخل أجنبي إذا لم يسارع الانتقالي إلى فرض الأمن وبناء جيش وطني وإصدار وثائق تنظم المرحلة الانتقالية. ولعل ما ضاعف الذعر في هذا الصدد أن تحذيرات جبريل جاءت متزامنة مع إعلان مندوب الدفاع الجوي لدى مركز معلومات الطيران المدني بمدينة بنغازي العقيد فوزي البرعصي أن طيرانا حربيا مجهول الهوية اخترق سيادة ليبيا الجوية في الأيام الأخيرة, دون علم الجهات المختصة, الأمر الذي أطلق عليه محللون وخبراء ليبيون "الاستعمار الناعم" . ففي 6 يناير, نقلت قناة "الجزيرة" عن المحلل السياسي الليبي محمد بعيو القول إن التطورات السابقة يطلق عليها "الاستعمار الناعم"، مؤكدا أن الحديث ما زال مبكرا عن سيادة وطنية ليبية. وأضاف بعيو أن هناك فراغا سياسيا وأمنيا ودستوريا كبيرا في البلاد، ناهيك عن ارتباط الزعامات السياسية الحالية بالخارج، وأكد أنه لن يخرج ليبيا من هذا التهديد لسيادتها سوى الرجوع إلى المرجعيات الحقيقية وسيادة الشعب، والإسراع في فرز سلطة شرعية، موضحا أن الفترة الانتقالية الحالية "رخوة" تسمح بتدخل "من له أجندة اقتصادية وأمنية وسياسية". أما رئيس تحرير صحيفة "البلاد" الليبية الهادي القرقوطي فاعتبر المراقبة الأمريكية لتفجير الصواريخ مساسا بالسيادة، داعيا إلى منح الدول التي ساعدت بلاده في التخلص من نظام القذافي بعض المزايا من الموارد المادية, لكنه رفض بشدة منحها جزءا من السيادة الوطنية. وبالنظر إلى أن أوباما يواجه مأزقا كبيرا في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية على خلفية الأزمة المالية في بلاده ويسعى بقوة لنهب ثروات ليبيا للخروج من ورطته، فإن تصريحات ناكر جاءت في توقيت مناسب جدا لتحذير واشنطن من عواقب المضي قدما في مخطط الاستعمار الناعم والذي يقوم على استغلال الأوضاع الأمنية في ليبيا للتغلغل هناك عسكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ولكن بصورة مستترة . وبصفة عامة، فإنه لا بديل عن تحرك الليبيين على وجه السرعة لعلاج فوضى السلاح لتفويت الفرصة على "الاستعمار الناعم" وغيره من المخططات الغربية والصهيونية ضد بلادهم بصفة خاصة و"الربيع العربي" بصفة عامة.