رغم دعوة حكومة رئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب للثوار السابقين إلى تسليم أسلحتهم أو الانضمام إلى الجيش الجديد أو قوات الشرطة, إلا أن التطورات الأخيرة في ليبيا ضاعفت الشكوك حول نجاح مثل هذا الأمر, خاصة بعد الاشتباكات الدامية الأخيرة في طرابلس. وكانت اشتباكات اندلعت في 3 يناير في شارع الزاوية بطرابلس بين ثوار سابقين من المدينة وآخرين من مدينة مصراتة, ما أسفر عن سقوط أربعة قتلى على الأقل . ورغم أن المجلس الانتقالي سارع في 4 يناير لتعيين يوسف المنقوش, الذي شارك في القتال ضد قوات القذافي, قائدا جديدا لأركان الجيش ليحل محل اللواء عبد الفتاح يونس الذي اغتيل في بنغازي نهاية يوليو الماضي, إلا أن تلك الخطوة قوبلت باعتراض تشكيلات من الثوار السابقين, الأمر الذي ضاعف القلق على استقرار ليبيا. بل وجاء إعلان تونس في 6 يناير عن الدفع بتعزيزات أمنية وعسكرية إلى طول حدودها البرية مع ليبيا التي تمتد على نحو 140 كيلومتراً ليؤكد أيضا أن الأمور لا تسير بالشكل الذي تتمناه ثورة 17 فبراير في ليبيا. وكانت الحدود التونسية - الليبية شهدت خلال الأيام الماضية توتراً ملحوظاً على خلفية انتهاكات متكررة من عناصر ليبية مسلحة للحدود التونسية، وتزايد الاعتداءات على أفراد حرس الحدود التونسي. ولعل ما ضاعف المخاوف أيضا حول احتمال انزلاق ليبيا إلى المجهول أمنيا وسياسيا هو تصريحات رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل في الآونة الأخيرة التي حذر فيها من أن عدم السيطرة على المليشيات المسلحة قد يدخل البلاد في دوامة الحرب الأهلية. بل ولم يستبعد البعض أيضا قدوم قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة "القبعات الزرق" لفرض الأمن, خاصة بعد تأكيد عبد الجليل عجز السلطات عن فرض السيطرة على المنافذ الحدودية للبلاد وإشراف واشنطن على تفجير خمسة آلاف صاروخ ليبي. وكان رئيس المكتب التنفيذي السابق للمجلس الانتقالي محمود جبريل أكد في وقت سابق أن جميع مخابرات دول العالم تعمل فوق الأراضي الليبية، محذرا من تدخل أجنبي "إذا لم يسارع الانتقالي إلى فرض الأمن وبناء جيش وطني وإصدار وثائق تنظم المرحلة الانتقالية". كما كشف مندوب الدفاع الجوي لدى مركز معلومات الطيران المدني بمدينة بنغازي العقيد فوزي البرعصي أن طيرانا حربيا مجهول الهوية اخترق سيادة ليبيا الجوية في الأيام الأخيرة, دون علم الجهات المختصة, الأمر الذي أطلق عليه محللون وخبراء ليبيون "الاستعمار الناعم" . ففي 6 يناير, نقلت قناة "الجزيرة" عن المحلل السياسي الليبي محمد بعيو القول إن التطورات السابقة يطلق عليها "الاستعمار الناعم"، مؤكدا أن الحديث ما زال مبكرا عن سيادة وطنية ليبية. وأضاف بعيو أن هناك فراغا سياسيا وأمنيا ودستوريا كبيرا في البلاد، ناهيك عن ارتباط الزعامات السياسية الحالية بالخارج، وأكد أنه لن يخرج ليبيا من هذا التهديد لسيادتها سوى الرجوع إلى المرجعيات الحقيقية وسيادة الشعب، والإسراع في فرز سلطة شرعية، موضحا أن الفترة الانتقالية الحالية "رخوة" تسمح بتدخل "من له أجندة اقتصادية وأمنية وسياسية". أما رئيس تحرير صحيفة "البلاد" الليبية الهادي القرقوطي فاعتبر المراقبة الأمريكية لتفجير الصواريخ مساسا بالسيادة، داعيا إلى منح الدول التي ساعدت بلاده في التخلص من نظام القذافي بعض المزايا من الموارد المادية, لكنه رفض بشدة منحها جزءا من السيادة الوطنية. ويبدو أن دعوة الحكومة الانتقالية للثوار لتسليم أسلحتهم أو الانضمام إلى الجيش الجديد لم تعد مجدية لمنع كابوس الاستعمار الناعم الذي يهدد ليبيا, حيث أكد رئيس الوزراء الانتقالي الليبي السابق علي الترهوني ضرورة تقديم فرص عمل للثوار الذين شاركوا في القتال ضد نظام معمر القذافي تفاديا لأي زعزعة لاستقرار البلاد. وأضاف الترهوني أمام مركز للدراسات في واشنطن أن نزع أسلحة هؤلاء المقاتلين وإعادة دمجهم في الحياة المدنية يشكل أحد المفاتيح لتفادي تصاعد العنف في ليبيا. وتابع " دعوة الثوار لتسليم أسلحتهم مقابل مكافآت مالية أو الانضمام إلى الجيش الجديد لم تعد مناسبة, علينا رؤية حاجاتهم في مجال العمل والانكباب على مسألة تدريبهم". والخلاصة أن ثورة 17 فبراير مهددة بكابوس الاستعمار الناعم الذي يتمثل في انتهاك سيادة ليبيا بصورة مستترة في حال لم يتحرك الليبيون على وجه السرعة لعلاج فوضى السلاح في البلاد .