على طريقة "اللى على رأسه بطحة" وبعدما تسرب من أنباء "غضبة" الإدارة الأمريكية على النظام المصرى بسبب الممارسات الديكتاتورية والفساد السياسى، اهتم الإعلام الحكومى بإبراز تصريحات وزير الخارجية "أحمد أبو الغيط" التى يؤكد فيها متانة العلاقات المصرية الأمريكية وقدرة مصر على الصمود أمام المنافسة (يعنى مع إسرائيل) لاحتلال مكانة متميزة لدى الإدارة الأمريكية. ولو كنت من وزير الخارجية لاحترمت عقول السامعين وامتنعت عن ترديد مثل هذا الكلام الذى يشوبه الخطأ، إذ أن أمريكا لا تنظر بعين المساواة إلى مصر وإسرائيل، كما أنه كلام يعيبه الابتذال، فقد تكرر فى أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسئول، ولعلنا نذكر تصريحات الرئيس "مبارك"، فى لقائه العام الماضى مع الكتاب والمفكرين بمناسبة افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب، حيث قال إن مصر حريصة على قوة علاقاتها بأمريكا حتى لا تترك الساحة لإسرائيل وحدها تنفرد بها. وفضلاً عن أنه منطق يجرح الكرامة، إذ يجعل الأمر أشبه بمنافسة بين "تابعتين" على رضا "السيدة"، فإنه أيضاً منطق داحض، لا يستند إلى دليل واحد، وتهدمه القرائن والشواهد. والواقع الذى يعرفه الجميع يؤكد أن "إسرائيل" لا تحظى فقط بحق "الدولة الأولى بالرعاية" بالنسبة لواشنطن لكنها الابنة الأمريكية المدللة والجزء الذى لا يتجزأ من سياسة الولاياتالمتحدة الداخلية قبل الخارجية، أما مصر فليست إلا قوة إقليمية لا تملك واشنطن مرحلياً إلا الاعتراف بتأثيرها مع السعى إلى الاستفادة من هذا التأثير والعمل على تقليصه والتخلص منه، وهو ما بدأ يتحقق فعلاً. وإذا قارننا ببعض التفصيل سنرى أن معظم ميزانية إسرائيل هو منح أمريكية ودعم مباشر، وبفضل أمريكا وعطائها العلمى والعسكرى والاقتصادى والسياسى امتلكت إسرائيل قوة نووية عسكرية تنفرد بها بين دول المنطقة، ولولا الغطاء الأمريكى لما تمكنت تل أبيب من الإصرار على رفض الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووى لتبقى مستمتعة بميزة "العربدة" بعيدا عن يد القانون والمجتمع الدولى. إسرائيل تمثل ثابتاً أساسياً أو هى الثابت الأساسى من ثوابت السياسة الأمريكية، وفى هذا السياق جاءت تصريحات "كونداليزا رايس" بشأن المنظمات الفلسطينية التى قالت فيها إن واشنطن لن تسمح بوجود منظمات لا تعترف بإسرائيل. كما جاء تصريح بوش الذى قال فيه إنه لا يمكن أن يسمح لدولة تدعو إلى إزالة إسرائيل من الوجود (هى إيران) بامتلاك سلاح نووى. فى المقابل فإن مصر هى الدولة التى تظهر لها أمريكا العين الحمراء دائماً، بل إنها لا تفوت مناسبة لتقريع نظامها ومحاولة إدانته إلا واستغلتها مع السعى إلى تحويل إدانة "النظام" إلى مبرر لتهديد "الدولة"، حدث هذا مثلاً عندما ادعت واشنطن وجود أبحاث نووية بين مصر والصين فى سيناء. ومع أنها هى نفسها قالت إنها أبحاث محدودة وعلى نطاق أقل بكثير من حدود الاستخدام العسكرى وإنها لا تمتلك أدلة قاطعة، مع كل هذا فقد استغلت واشنطن هذه "الشائعة" التى لا تساوى شيئاً للتشنيع على مصر والضغط على نظامها وتهديد شعبها. وفيما يخص العلاقات المشتركة بين مصر وإسرائيل فإن أمريكا تبتز مصر، تعصرها حتى النهاية، تصفيها للحصول على آخر قطرة من دمها يمكن أن تستفيد منها إسرائيل، ولعل اتفاقية "الكويز" مثال ملائم على هذا، حيث اشترطت أمريكا أن تحتوى المنتجات المصرية على مكون إسرائيلى للسماح لها بدخول الأسواق الأمريكية، ولو كان صحيحاً أنها تطبق مبدأ "المساواة" بين مصر وإسرائيل لاشترطت بالمقابل ضرورة وجود مكون مصرى فى المنتجات الإسرائيلية، ولما فتحت أبواب سوقها بلا ضوابط أمام واردات تل أبيب، بينما تتعامل بالقطارة وفى حدود حصة لا يمكن تجاوزها بل إنها حتى الآن لم تستكمل مع كل ما "صنع فى مصر". مصر بالنسبة لأمريكا ليست إلا أداة تحاول استغلالها لحماية إسرائيل واستكمال توطينها واستقرارها فى المنطقة، ولا يهمها أى أمريكا فى هذا الصدد ما يمكن أن تتعرض له مصر من متاعب وخسائر وتهديدات، بل إنها ترحب بكل ما يؤذى مصر أو يقلل من مكانتها كقوة إقليمية يساوى كل رصيد يضاف لها من الناحية الاستراتيجية خصماً من الرصيد الإسرائيلى. هذه هى المحددات الحقيقية للعلاقات المصرية الأمريكية، وتلك هى قواعد العلاقات المصرية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة كما يطرحها الواقع، فهل ترون فيها ما يستحق التمسك به أو المباهاة بمتانته؟