عندي قناعة أن الأيام كفيلة بحل أعقد الأزمات، على مستوى الأشخاص، والكيانات، والدول، ونحن في اليوم الحادي عشر منذ الهجمة الإيرانية السياسية والدعائية المنفلتة على السعودية على إثر إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر نلاحظ أن هناك نوعا من الهدوء والميل للتهدئة من الجانبين، وإطلاق رسائل للخارج بأن الأزمة لن تؤثر على الملفات التي يقوم فيها الطرفان بدور فاعل في إتجاه الحل: الملف السوري واليمني. في التقييم العام وبحسابات المكاسب والخسائر في تلك الأزمة فإن السياسة السعودية تحرز نقاطا مهمة، وتحقق مكاسب سياسية ودبلوماسية، بعكس إيران التي تتكبد الخسائر، وتخرج من عزلة دولية، لتدخل في عزلة عربية وإسلامية. في الموقف السياسي الطبيعي فإن تنفيذ أحكام الإعدام بحق 47 مدانا هو قرار قضائي سعودي، لمواطنين سعوديين، باستثناء اثنين فقط أحدهما مصري، والآخر تشادي، فماذا يعني إيران في هذا الأمر؟. انتفضت طهران من أجل أن واحدا من الذين تم إعدامهم هو شيعي، والدعاية الإيرانية، ومن وراءها الجماعات الشيعية في المنطقة، ركزت على رجل الدين هذا، كانت إيران انتقائية، تجاهلت 46 آخرين، وركزت على شخص واحد، وهنا بدت إيران طائفية ومذهبية حتى النخاع، وكذلك توابعها، ولأن ال 46 الآخرين هم من السنة، لذلك لم تعيرهم أي مشاعر غضب، كما فعلت مع الشيخ النمر، وحتى لو كان الحزن الإيراني المقرون بالغضب قد شمل المعدمين جميعا، السنة والشيعي الوحيد بينهم، فإن ذلك الأمر سيكون مثيرا للدهشة، ذلك أن إيران تتفوق في تنفيذ الإعدامات الجماعية العلنية بطريقة مهينة لمن يقودهم قدرهم إلى تلك الرافعة الكئيبة في الميدان، وبين المعلقين على المشانق إيرانيون سنة، ولا نجد السعودية والدول الإسلامية السنية تحتج وتنتفض وتدفع مواطنيها وأذنابها إلى تنظيم الاحتجاجات، وكيل الإهانات والاتهامات البذيئة، ولو كانت إيران لا تطبق عقوبة الإعدام مثل ألمانيا لكان مفهوما أن تصدر بيانا سياسيا عاما بأنها ضد الإعدام. إيران ومحورها أوقع نفسه في أخطاء عديدة متعمدة، فهم عارضوا حكما قضائيا استنفد درجات التقاضي المختلفة، وهم برهنوا مرة أخرى وبصورة فجة على نزوعهم الطائفي والمذهبي، وهم تدخلوا في شأن محلي سعودي خالص، فرجل الدين الذي أُعدم هو مواطن سعودي، ولد وعاش ومات فيها، وزوجته تعمل في الدولة السعودية، وتقبض راتبها من خزينتها، وتُعالج في الخارج على نفقة الدولة، وأولاده مبتعثون على نفقة المملكة للدراسة في الخارج، وأشقائه وبقية عائلته يعيشون كذلك في المملكة مواطنين مثل أي مواطنين آخرين، ما شأن إيران؟، وما شأن فريق من حكومة العراق ومرجعيات وقادة دينيين وسياسيين شيعة؟، وما علاقة حزب الله الغارق في إعدام وتصفية السوريين بالرصاص وبحصار التجويع؟، وحتى الحوثيين الذين ورطوا أنفسهم واليمن في أزمة كبيرة وخطيرة، ويتسببون مرة أخرى في حرب مدمرة لهذا البلد المنكوب، ويقتلون ويعتقلون ويعذبون الكثير من خصومهم، هل هم مشغولون بالبحث عن مخرج من الحرب والاندحار، أم لديهم رفاهية التنديد وتسيير مظاهرات ضد إعدام مواطن غير يمني؟، هم يؤكدون بذلك أنهم جماعة طائفية ذات ولاء خارجي، ولذلك كان مستحيلا وخارج المنطق أن يسيطروا على اليمن ويحكمونه ويفرضون إرادتهم عليه، وهم يقدمون مبررات جديدة لضرورات الحملة العسكرية عليهم لاستعادة اليمن من بين أنيابهم، وجعله وطنا لكل اليمنيين، وليس للطائفيين والعملاء فقط. أثارت إيران على مدار عدة أيام ضجيجا دعائيا وسياسيا صاخبا، وسيرت مظاهرات عبر أذرعها في عدد من البلدان تحت شعار الغضب لرجل دين تزعم أنه أُعدم ظلما وصار شهيدا، لكن الحقيقة أن إيران وظفت دم هذا الرجل سياسيا، ودون أي وجه حق لها كما شرحنا هنا، للتصعيد مع السعودية في إطار مواجهة تتنوع فصولها وأشكالها وساحاتها، إيران تستهدف السعودية، فهى الركن الأهم خليجيا، وتريد حصارها وإضعافها وتهميشها عبر تدخلاتها في العراق ولبنان واليمن وسوريا والبحرين، تسعى إيران لفرض هيمنتها الكاملة والشاملة على ضفتي الخليج العربي، الذي لا تعترف بعروبته، إنما تريده فارسيا شرقا وغربا، وتدشين نفسها القوة السياسية والعسكرية الأولى والوحيدة بعد سيطرتها على العراق وسوريا ولبنان، لكنها تواجه في كل تلك البلدان والمحطات برفض سعودي، وإفساد للمخطط، وإلى درجة أن تشكل المملكة وبشكل غير مسبوق تحالفا عسكريا لقطع الطريق عليها في اليمن الحديقة الخلفية لها. بعد الاتفاق النووي دعت إيران إلى حسن الجوار، لكن الأحداث تؤشر على أنه مجرد قول لا يسنده أي فعل، أول بنود حسن الجوار عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وقد جاءت قضية الإعدام لتنسف ذلك الشعار الفارغ، وجاء إحراق مبنى السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد ليجعل سهم إيران يرتد سريعا إلى منطقة حساسة فيها، ويكبدها خسارة كبيرة عربيا وإسلاميا ودوليا. .. نواصل. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.